حکمت 255
الشرح:
(نبذ مما قيل فى السلطان) قد جاء فى صحبه السلطان امثال حكميه مستحسنه تناسب هذا المعنى، او تجرى مجراه فى شرح حال السلطان، نحو قولهم: صاحب السلطان كراكب الاسد يهابه الناس، و هو لمركوبه اهيب.و كان يقال: اذا صحبت السلطان فلتكن مداراتك له مداراه المراه القبيحه لبعلها المبغض لها، فانها لاتدع التصنع له على حال.قيل للعتابى: لم لاتقصد الامير؟ قال: لانى اراه يعطى واحدا لغير حسنه و لا يد، و يقتل آخر بلا سيئه و لاذنب، و لست ادرى اى الرجلين اكون! و لا ارجو منه مقدار ما اخاطر به.و كان يقال: العاقل من طلب السلامه من عمل السلطان، لانه ان عف جنى عليه العفاف عداوه الخاصه، و ان بسط يده جنى عليه البسط السنه الرعيه.و كان سعيد بن حميد يقول: عمل السلطان كالحمام، الخارج يوثر الدخول، و الداخل يوثر الخروج.ابن المقفع: اقبال السلطان على اصحابه تعب، و اعراضه عنهم مذله.و قال آخر: السلطان ان ارضيته اتعبك، و ان اغضبته اعطبك.و كان يقال: اذا كنت مع السلطان فكن حذرا منه عند تقريبه، كاتما لسره اذا استسرك، و امينا على ما ائتمنك، تشكر له و لا تكلفه الشكر لك، و تعلمه و كانك تتعلم منه و تودبه و كانه يودبك، بصيرا بهواه، موثرا لمنفعته، ذليلا ان ضامك، راضيا ان اعطاك، قانعا ان حرمك، و الا فابعد منه كل البعد.و قيل لبعض من يخدم السلطان: لاتصحبهم، فان مثلهم مثل قدر التنور، كلما مسه الانسان اسود منه، فقال: ان كان خارج تلك القدر اسود فداخلها ابيض.و كان يقال: افضل ما عوشر به الملوك قله الخلاف و تخفيف المئونه.و كان يقال: لايقدر على صحبه السلطان الا من يستقل بما حملوه، و لايلحف اذا سالهم، و لايغتر بهم اذا رضوا عنه، و لايتغير لهم اذا سخطوا عليه، و لايطغى اذا سلطوه، و لايبطر اذا اكرموه.و كان يقال: اذا جعلك السلطان اخا فاجعله ربا، و ان زادك فزده.و قال ابوحازم: للسلطان كحل يكحل به من يوليه، فلايبصر حتى يعزل.و كان يقال: لاينبغى لصاحب السلطان ان يبتدئه بالمساله عن حاله، فان ذلك من كلام النوكى و اذا اردت ان تقول: كيف اصبح الامير؟ فقل: صبح الله الامير بالكرامه، و ان اردت ان تقول: كيف يجد الامير نفسه؟ فقل: وهب الله الامير العافيه: و نحو هذا، فان المساله توجب الجواب، فان لم يجبك اشتد عليك، و ان اجابك اشتد عليه.و كان يقال: صحبه الملوك بغير ادب كركوب الفلاه بغير ماء.و كان يقال: ينبغى لمن صحب السلطان ان يستعد للعذر عن ذنب لم يجنه، و ان
يكون آنس ما يكون به، اوحش ما يكون منه.و كان يقال: شده الانقباض من السلطان تورث التهمه، و سهوله الانبساط اليه تورث الملاله.و كان يقال: اصحب السلطان باعمال الحذر، و رفض الداله، و الاجتهاد فى النصيحه، وليكن راس مالك عنده ثلاث: الرضا، و الصبر، و الصدق.و اعلم ان لكل شى ء حدا، فما جاوزه كان سرفا، و ما قصر عنه كان عجزا، فلاتبلغ بك نصيحه السلطان ان تعادى حاشيته و خاصته و اهله، فان ذلك ليس من حقه عليك، وليكن اقضى لحقه عنك، و ادعى لاستمرار السلامه لك، ان تستصلح اولئك جهدك، فانك اذا فعلت ذلك شكرت نعمته، و امنت سطوته، و قللت عدوك عنده، و اذا جاريت عند السلطان كفوا من اكفائك فلتكن مجاراتك و مباراتك اياه بالحجه، و ان عضهك، و بالرفق و ان خرف بك.و احذر ان يستحلك فتحمى، فان الغضب يعمى عن الفرصه، و يقطع عن الحجه، و يظهر عليك الخصم، و لا تتوردن على السلطان بالداله و ان كان اخاك، و لا بالحجه و ان وثقت انها لك، و لا بالنصيحه و ان كانت له دونك، فان السلطان يعرض له ثلاث دون ثلاث: القدره دون الكرم، و الحميه دون النصفه و اللجاج دون الحظ.
حکمت 256
الشرح:
اكثر ما فى هذه الدنيا يقع على سبيل القرض و المكافاه، فقد راينا عيانا من ظلم الناس فظلم عقبه و ولده، و راينا من قتل الناس فقتل عقبه و ولده، و راينا من اخرب دورا فاخربت داره، و راينا من احسن الى اعقاب اهل النعم فاحسن الله الى عقبه و ولده.و قرات فى تاريخ احمد بن طاهر ان الرشيد ارسل الى يحيى بن خالد و هو فى محبسه يقرعه بذنوبه، و يقول له: كيف رايت! الم اخرب دارك؟ الم اقتل ولدك جعفرا؟ الم انهب مالك؟ فقال يحيى للرسول: قل له: اما اخرابك دارى فستخرب دارك، و اما قتلك ولدى جعفرا فسيقتل ولدك محمد، و اما نهبك مالى فسينهب مالك و خزانتك.فلما عاد الرسول اليه بالجواب وجم طويلا و حزن، و قال: و الله ليكونن ما قال، فانه لم يقل لى شيئا قط الا و كان كما قال، فاخربت داره و هى الخلد فى حصار بغداد، و قتل ولده محمد، و نهب ماله، و خزانته، نهبها طاهر بن الحسين.حکمت 257
الشرح:
كل كلام يقلد المتكلم به لحسن عقيده الناس فيه نحو كلام الحكماء و كلام الفضلاء و العلماء من الناس اذا كان صوابا كان دواء و اذا كان خطا كان داء، لان الناس يحذون حذو المتكلم به، و يقلدونه فيما يتضمنه ذلك الكلام من الاداب و الاوامر و النواهى، فاذا كان حقا افلحوا، و حصل لهم الثواب و اتباع الحق، و كانوا كالدواء المبرى ء للسقم، و اذا كان ذلك الكلام خطا و اتبعوه خسروا و لم يفلحوا، فكان بمنزله الداء و المرض.حکمت 258
قال: و قد ذكرنا ما اجابه به (ع) فيما تقدم من هذا الباب، و هو قوله: (الايمان على اربع شعب).الشرح:
يقول: اذ كان غد فاتنى فتكون (كان) هاهنا تامه، اى اذا حدث و وجد، و تقول: اذا كان غدا فاتنى فيكون النصب باعتبار آخر، اى اذا كان الزمان غدا، اى موصوفا بانه من الغد، و من النحويين من يقدره: اذا كان الكون غدا، لان الفعل يدل على المصدر، و الكون هو التجدد و الحدوث.و قائل هذا القول يرجحه على القول الاخر، لان الفاعل عندهم لايحذف الا اذا كان فى الكلام دليل عليه.و يثقفها، يجدها، ثقفت كذا بالكسر، اى وجدته و صادفته.و الشارده: الضاله.حکمت 259
الشرح:
قد تقدم هذا الفصل بتمامه.و اعلم ان كل ما ادخرته مما هو فاضل عن قوتك فانما انت فيه خازن لغيرك.و خلاصه هذا الفصل النهى عن الحرص على الدنيا و الاهتمام لها، و اعلام الناس ان الله تعالى قد قسم الرزق لكل حى من خلقه، فلو لم يتكلف الانسان فيه لاتاه رزقه من حيث لايحتسب.و فى المثل: يا رزاق البغاث فى عشه.و اذا نظر الانسان الى الدوده المكنونه داخل الصخره كيف ترزق، علم ان صانع العالم قد تكفل لكل ذى حياه بماده تقيم حياته الى انقضاء عمره.حکمت 260
الشرح:
الهون بالفتح: التانى، و البغيض: المبغض.و خلاصه هذه الكلمه.النهى عن الاسراف فى الموده و البغضه، فربما انقلب من تود فصار عدوا، و ربما انقلب من تعاديه فصار صديقا.و قد تقدم القول فى ذلك على اتم ما يكون.و قال بعض الحكماء: توق الافراط فى المحبه، فان الافراط فيها داع الى التقصير منها، و لان تكون الحال بينك و بين حبيبك ناميه اولى من ان تكون متناهيه.و من كلام عمر: لايكن حبك كلفا، و لابغضك تلفا.و قال الشاعر: و احبب اذا احببت حبا مقاربا فانك لاتدرى متى انت نازع! و ابغض اذا ابغضت غير مباين فانك لاتدرى متى انت راجع! و قال عدى بن زيد: و لا تامنن من مبغض قرب داره و لا من محب ان يمل فيبعداحکمت 261
الشرح:
معنى قوله: (و يامنه على نفسه)، اى و لا يبالى ان يكون هو فقيرا، لانه يعيش عيش الفقراء و ان كان ذا مال، لكنه يدخر المال لولده فيفنى عمره فى منفعه غيره.و يجوز ان يكون معناه انه لكثره ماله قد امن الفقر على نفسه ما دام حيا، و لكنه لا يامن الفقر على ولده لانه لايثق من ولده بحسن الاكتساب كما وثق من نفسه، فلا يزال فى الاكتساب و الازدياد منه لمنفعه ولده الذى يخاف عليه الفقر بعد موته.فاما العامل فى الدنيا لما بعدها فهم اصحاب العباده، ياتيهم رزقهم بغير اكتساب و لا كد، و قد حصلت لهم الاخره، فقد حصل لهم الحظان جميعا.حکمت 262
الشرح:
هذا استدلال صحيح، و يمكن ان يورد على وجهين: احدهما ان يقال: اصل الاشياء الحظر و التحريم، كما هو مذهب كثير من اصحابنا البغداديين، فلايجوز التصرف فى شى ء من الاموال و المنافع الا باذن شرعى، و لم يوجد اذن شرعى فى حلى الكعبه، فبقينا فيه على حكم الاصل.و الوجه الثانى ان يقال: حلى الكعبه مال مختص بالكعبه، هو جار مجرى ستور الكعبه، و مجرى باب الكعبه، فكما لايجوز التصرف فى ستور الكعبه و بابها الا بنص فكذلك حلى الكعبه، و الجامع بينهما الاختصاص الجاعل كل واحد من ذلك كالجزء من الكعبه، فعلى هذا الوجه ينبغى ان يكون الاستدلال.و يجب ان يحمل كلام اميرالمومنين (ع) عليه، و الا يحمل على ظاهره، لان لمعترض ان يعترض استدلاله اذا حمل على ظاهره، بان يقول: الاموال الاربعه التى عددها انما قسمها الله تعالى حيث قسمها لانها اموال متكرره بتكرر الاوقات على مر الزمان يذهب الموجود منها و يخلفه غيره، فكان الاعتناء بها اكثر، و الاهتمام بوجوه متصرفها اشد، لان حاجات الفقراء و المساكين و امثالهم من ذوى الاستحقاق كثيره و متجدده بتجدد الاوقات، و ليس كذلك حلى الكعبه، لانه مال واحد باق غير متكرر، و ايضا فهو شى ء قليل يسير، ليسمثله مما يقال: ينبغى ان يكون الشارع قد تعرض لوجوه مصرفه حيث تعرض لوجوه مصرف الاموال، فافترق الموضعان.