بيان حقيقة الوفاء بالعقد وان اطلاقه في جميع الموارد بمعنى واحد
لهذه النكتة لانه قصد خاص بعنوان الوفاء بالمياق و لذا جعل الحج و نبذ الميثاق متضادين في الخبر المتكفل لجنود العقل و الجهل حيث قال ع و الحج و ضده نبذ الميثاق و مما ذكرنا يعلم ان الوفاء في جميع موارد إطلاقه بمعنى واحد و هو إتمام الشيء بالقيام معه و عدم التجاوز عنه فإذا كان العهد و القرار متعلقا بعمل من الاعمال فإتمامه و عدم التجاوز عنه بإيجاد العمل الذي تعهده و التزم به و إذا كان متعلقا بنتيجة عمل كما في البيع حيث لا يترقب من القرار المعاملي على ملكية شيء بعوض إيجاد عمل بمقتضى قراره فلا محالة يكون إتمامه و القيام معه إبقائه و عدم التجاوز عنه بحله و فسخه و نقضه و حيث انه لم يتعلق العهد و القرار بعمل من الاعمال فلا يعقل ان يكون وفائه بعمل من الاعمال اذ ما لا عهد به لا وفاء له إذا عرفت هذه المقدمة فاعلم ان الامر بالوفاء بهذا المعنى اما ان يكون إرشاديا أو مولويا و على تقدير الارشادية هل هو إرشاد إلى الصحة أو اللزوم أو هما معا لا معنى لان يكون إرشادا إلى الصحة لان الامر باى شيء لا يكون إرشادا إلى اي شيء كان بل الامر يمكن ان يكون إرشادا إلى ما في متعلقه من الفائدة لا إلى ما في غيره فالأَمر بالبيع و النهى عنه يمكن ان يكون إرشادا إلى ما فيه منه الاثر أو إلى عدم ترتب ما للبيع من الاثر مثل قوله ع إذا تماثل الجنسان فلا تبيعوا و إذا اختلف الجنسان فبيعوا كيف شئتم بخلاف الامر بالوفاء و النهي عن النقض فانه إرشاد إلى ما في الوفاء من الاثر و إلى ما في النقض من عدمه لا إلى ما في البيع وجودا وعد ما فانحلال العقد و زواله نتيجة انشاء الفسخ و بقائه على حاله نتيجة إبقائه بعدم انشاء الفسخ نعم حيث ان الوفاء فرع الصحة فيكون الامر بالوفاء بالعقد دالا على على صحته بالدلالة الالتزامية العقلية لا بالدلالة الكلامية ليكون إرشادا إلى الصحة و اللزوم معا و عليه فيتمخض الامر في المولوية أو الارشاد إلى اللزوم الا ان الارشاد خلاف الظاهر من الامر و النهى لظهورهما في البعث الحقيقي و الزجر الحقيقي اللذين هما شأن المولى و السيد دون الناصح و المرشد و اما المولوية فلا يوجب الا اللزوم التكليفي دون الوضعي لان الامر و النهي المولوي المترقب منهما الفعل أو الترك لا يتعلقان الا بالمقدور في موقع الامتثال و فرض مقدورية الوفاء بالحمل الشايع و النقض بالحمل الشايع فرض نفوذ انشاء الفسخ و الا لم يكن متمكنا من ترك الوفاء في الامر و من النقض في النهى و دعوى ان السلطنة على الفعل التسبيبي دخيلة في تحققه و مع النهى لا سلطنة فانه يوجب خروج زمام الامر من يده مدفوعة بان السلطنة التكليفية المتحققة بمجرد الرخصة هي المسلوبة بورود النهى لمضادة التحريم و الاباحة و اما السلطنة الوضعية الدخيلة في النفوذ فلا تقابل بالنهى حتى يرتفع به بل قد عرفت استحالة ارتفاعها به و الا لزم من وجوده عدمه نعم هذه السلطنة تكون مسلوبة بالنهى الارشادى عن النقض و المفروض مولويته و بتقريب آخر النقض الحقيقي لا يكون الا عن حق الفسخ شرعا ابتداءا و إمضاء و معه لا موجب لحرمته و مع عدم حق الحل و الفسخ لا يتحقق النقض حتى يحرم و إنشاء الفسخ مع عدم تأثيره لا موجب لحرمته بعد ما كان وجوده كعدمه فالنهى المولوي عن النقض صحيح على اى تقدير و اما النقض تشريعا بالبناء على انحلال العقد فهو و ان كان معذورا يتكشف منه عدم الانحلال شرعا و الا لكان خارجا عن التشريع لكنه خلاف الظاهر فان الظاهر تعلق النهى بالنقض بعنوانه لا بعنوان كونه تشريعا و حمل النهى على الارشاد بملاحظة الظهور الثانوى في باب المعاملات بعيد ايضا فان المسلم منه ما إذا تعلق بنفس المعاملة لا بمثل الوفاء المحبوب عقلا و شرعا خصوصا مع شمول العقود المطلق العهود المتعلقة بالاعمال فان الوفاء بها بإيجاد تلك الاعمال الملتزم بها فلا يناسبها الا الامر و النهى المولويين و سيجيء انشاء الله تعالى بقية الكلام و منها ما عن المصنف العلامة رفع الله مقامه و محصله ان الوفاء هو العمل بمقتضى العقد و حيث ان مقتضى العقد تمليك الغير وجب العمل بما يقتضيه تمليك الغير من ترتيب اثار الملكية له بعدم اخذه من يده و عدم التصرف فيه فإذا وجب هذا المعنى مطلقا حتى بعد انشاء الفسخ دل على اللزوم بأحد الوجهين اما من باب الملازمة لان حرمة التصرف بعد الرجوع المشكوك التأثير ملازمة لعدم تأثير انشاء الرجوع و الا لكان محجورا عن ملكه بلا موجب من موجبات الحجر و اما من باب استفادة الحكم الوضعي من الحكم التكليفي نظرا إلى انتزاعه منه و انه لا ثبوت له الا بثبوت منشأه و هو الحكم التكليفي على ما بني عليه في أصوله و فيه أولا ان التقريب المبني على انتزاعية الحكم الوضعي عن الحكم التكليفي صحيح لفساد المبني بل استحالته كما حقق في مبحث الاحكام الوضعية في فن الاصول و ملخصه ان غاية تقريبه انه ليس الملك مثلا الا كون زمام امر شيء بيد الشخص و كونه تحت اختياره و هو مساوق لاباحة التصرفات و الترخيص في أنحاء التقليبات و التقلبات و اما فيما نحن فيه فليس معنى اللزوم و عدم تأثير الرجوع الا بقاء الملك على حاله من اضافته إلى مالكه و هو عبارة أخى عن كونه بحيث لا يجوز التصرف فيه لغير مالكه هو كونه بحيث يجوز له التصرف فيه بقاء و انه تحت اختياره و يندفع بان المراد من رجوع الوضع إلى التكليف ان كان مساوقة التكليف و الوضع معنى فانه لا معنى للملكية الا جواز التصرفات فهذا انتزاعية الوضع من التكليف بل معناه مفهوم الملك عين مفهوم جواز التصرف مع ان الملك باى معنى كان من الاحتواء و الاحاطة و الواجدية مفهوم الجواز و الاباحة و الترخيص و ان كان مساوقته له وجودا و ان وجود الملك بوجود جواز التصرف كما ان وجود كل امر انتزاعي بوجود منشأ انتزاعه في قبال ما كان وجوده بوجود ما بحذائه ففيه ان قيام شيء بشيء تارة بقيام انضمامي و اخرى بقيام انتزاعي و الاول لا يتصور الا فيما له مطابق بالذات في الخارج و الملك الموضوع للاثار شرعا و عرفا لا مطابق له في الخارج كالسواد و البياض و ما شابهما من الاعراض و الثاني و ان كان وجوده بوجود منشأ انتزاعه نظير المقبول بوجود القابل لاستحالة ان يكون وجود واحد وجود المقولتين بالذات كما حقق في محله الا ان قيام شيء بشيء انضماميا كان أو انتزاعيا يصحح صدق عنوانه على ما يقوم به كالابيض على ما يقوم به البياض و كالفوق على ما يقوم به الفوقية مع انه من البين انه لا يصدق عنوان المالك أو المملوك على نفس جواز التصرف و منه يتضح ان العقد ايضا ليس منشأ لانتزاعه كما عن شيخنا الاستاد العلامة رفع الله مقامه و الا لصدق عليه احد العنوانين بل العقد بمنزلة السبب للملك و السبب و المسبب متغائران وجودا و قد حقق في محله ان القيام به يصحح الصدق لا القيام عنه فتدبر و ثانيا ان الوفاء كما اشار قده اليه هو العمل بمقتضى العقد لا العمل بمقتضى مقتضاه و من الواضح ان مقتضى عقد البيع كون المال ملكا للمشتري بالعوض و القيام بهذا المقتضى الذي هو مورد العقد التحفظ عليه بإبقائه و عدم ازالته و اما مقتضى الملك فهو أجنبي عن مورد العهد و العقد حيث لا تعهد له بعدم التصرف حتى يجب ان لا يتصرف و التحقيق ان الوفاء كما مر سابقا و ان كان إتمام الشيء بعدم تركه و التجاوز عنه و خلافه تركه و التجاوز عنه لكنه ليس شيء منهما مقدورا للمكلف بنفسه فانك قد عرفت ان حل العقد إذا كان عن حق ليس منافيا للوفاء لا عقلا و لا عرفا و لا شرعا و مع عدم الحق لا يكاد يتحقق حتى يكون ممنوعا عنه فبقائه على حاله و عدمه ليس مع قطع النظر عن الاستحقاق عرفا أو شرعا مقدورا للمكلف حتى يجب أو يحرم باعتبار العرف أو الشرع فلا محالة لا يراد من الوفاء و خلافه الا ابقاء العقد و إتمامه أو التجاوز عنه و تركه عملا