و منها الحقد
و هو كيفية نفسانية لا يوجد إلا عند غضبثابت و أن لا يكون الانتقام في غايةالسهولة و لا في غاية العسر أما أن الغضبيجب أن يكون ثابتا فلأنه لو كان سريعالزوال لم يتقرر صورة الموذي في الخيالفلا يجتذب النفس إلى طلب الانتقام و أماأنه يجب أن لا يكون الانتقام في غايةالسهولة فلوجهين أحدهما أن الانتقام إذاكان سهلا اشتغلت النفس بحركة الانتقام واشتغال النفس بالقوة المحركة يمنعها منالاشتغال بانحفاظ صورة أخرى.
و ثانيهما أن الشوق إلى الانتقام إذا اشتدو لم يكن منه خوف بلغ تأكده و سهولة حصولهأن صار عند الخيال كالحاصل و الحاصل لايطلب حصوله فلا جرم لا يبقى الشوق إلىتحصيله و لذلك فإن الانتقام من الضعفاءلما كان سهلا سقط التشوق إليه و الدليل علىأن حال الخيال في الرغبة و الرهبة مبني علىالمحاكيات لا على الحقائق كما ينفر النفسعن العسل إذا شبه بمرة مقيئة و عن سائرالمطاعم و المشارب إذا كانت صورها شبيهةبصور أجسام مستقذرة و كذلك الشيء الذييسهل حصوله نزل عند الخيال منزلة الحاصلفلا يبقى شوق إلى تحصيله و أما أنه يجب أنلا يكون الانتقام في غاية العسر بل يكون فيمحل الطبع فلأن الموذي إذا كان عظيما مثلالملوك فإن اليأس عن الانتقام منه و الخوفيمنع ثبات صورة الشوق إلى الانتقام فيالنفس فثبت بهذا أن الحقد إنما يوجد عندوجود غضب ثابت متوسط بين الشدة و الفتور
فصل (12) في أسباب الفرح و الغم
اعلم أن الله سبحانه خلق بقدرته جرمالطيفا روحانيا قبل هذه الأجسام الكثيفةالظلمانية و هو على طبقات متفاوتة فياللطافة كطبقات السماوات و هو المسمىبالروح النفساني و الحيواني و الطبيعيبحسب درجاته الثلاث في اللطافة و جعلهللطافته و توسطه بين العقول و الأجسامالمادية مطية للقوى النفسانية تسري بها فيالأعضاء الجسدانية