هذا تقرير مذهبهم في الميل و أما علىقوانين الحكماء فقد علمت أن الميل غير باقفي المواضع التي ذكرناها و أنه مما يشتد ويضعف و الشدة و الضعف يوجبان تبدل الشيءلذاته فالميل غير ضروري البقاء في كل جسمبشخصه و إنما الباقي في كل جسم شخصي هوالطبيعة الجوهرية المقومة له و أما الذياستدل به بعض العلماء على بقاء الميل فيحال الوصول إلى المطلوب من أنه يفعلالإيصال لأنه المحرك و المدافع إليه والمدافع هو بعينه الموصل إليه و يمنعانفكاك المعلول عن علته فذلك صحيح يقتضيوجود الميل إلى آن الوصول و لا يقتضي بقاءهكما لا يقتضي بقاء الحركة بل استحالتهمالأن المستدعي للميل و الحركة هو خروجالجسم عما هو المطلوب طبعا كان أو قسرا أوإرادة و هو غير باق في زمان الوصول إلىالمطلوب فلا يمكن الميل المحرك إليهلاستلزامه تحصيل الحاصل.
و حادي عشرها أن الميل هيئة قارة
و إن وقع في بعض أفرادها تدريج و ليسكالحركة التي لا يتصور إلا تدريجا لشيءكالأين و الكم و غيرهما و ذلك لأن الميل لابد من وجوده عند الوصولات إلى حدود مطالبغير منقسمة في الحدوث و الموجود في حد غيرمنقسم كان موجودا في آن و إن استمر قبله أوبعده أيضا.
و ثاني عشرها أن لا تفاعل بين الثقل والخفة
إذ الثقل يوجب حركة الجسم إلى جانب المركزو الخفة إلى جانب المحيط فكل منهما يوجبتباعد جسمه عن جسم الآخر فالوصفانالموجبان تباعد الجسمين إلى غاية التباعديستحيل أن يجتمعا حتى يتفاعلا.
و قد علمت أن السكون الذي بين حركتيالصاعدة و الهابطة إنما حصل من تفاعل بينالطبيعة و الميل القسري الصاعد لا بينالميلين لعدم اجتماعهما بل هما منعدمانجميعا في ذلك الزمان إلا في الطرفين ففي آنأوله كان آخر زمان الميل القسري و قدقاومته الطبيعة حتى أزالته و في آن آخرهكان أول زمان الميل الطبيعي و قد أحدثتهالطبيعة بعد فراغها عن آثار شواغل الميلالقسري