أصنعه لكم إني رأيت أنّ العرب رمتكم عنقوس واحدة، فقال سعد بن معاذ: قد كنا معهمعلى الشرك و الأوثان و لا يطمعون منا بثمرةإلّا شراء (1) و بيعا فحين أكرمنا اللهبالإسلام و أعزنا بك نعطيهم أموالنا والله لا نعطيهم إلّا السيف. فصلب رسول اللهصلّى الله عليه وسلّم. و تمادى الأمر، وظهر فوارس من قريش إلى الخندق و فيهم:
عكرمة بن أبي جهل، و عمرو بن عبد ودّ منبني عامر بن لؤيّ، و ضرار بن الخطّاب منبني محارب فلما رأوا الخندق قالوا هذهمكيدة ما كانت العرب تعرفها. ثم اقتحموا منمكان ضيق حتى جالت خيلهم بين الخندق و سلع،و دعوا إلى البراز، و قتل علي بن أبي طالبعمرو بن عبد ودّ، و رجعوا إلى قومهم من حيثدخلوا.
و رمي في بعض تلك الأيام سعد بن معاذ بسهمفقطع عنه الأكحل، يقال رماه حبان بن قيس بنالعرقة و قيل أبو أسامة الجشمي حليف بنيمخزوم، و يروى أنه لما أصيب جعل يدعو:«اللَّهمّ إن كنت أبقيت من حرب قريش شيئافأبقى لها فلا قوم أحب إليّ أن أجاهدهم منقوم آذوا رسولك و أخرجوه، و ان كنت وضعتالحرب بيننا و بينهم فاجعلها لي شهادة، ولا تمتني حتى تقرّ عيني من بني قريظة».
ثم اشتدّ الحال و أتى نعيم بن مسعود بنعامر بن أنيف بن ثعلبة بن قنفذ بن هلال بنخلاوة بن أشجع بن ريث بن غطفان فقال: يارسول الله اني أسلمت و لم يعلم قومي فمرنيبما تشاء، فقال إنما أنت رجل واحد فخذل عناإن استطعت فإنّ الحرب خدعة. فخرج فأتى بنيقريظة و كان صديقهم في الجاهلية، فنقم لهمفي قريش و غطفان و أنهم إن لم يكن الظفرلحقوا ببلادهم و تركوكم، و لا تقدرون علىالتحوّل عن بلدكم و لا طاقة لكم بمحمد وأصحابه، فاستوثقوا منهم برهن أبنائهم حتىيصابروا معكم. ثم أتى أبا سفيان و قريشافقال لهم: إنّ اليهود قد ندموا و راسلوامحمدا في المواعدة على أن يسترهنواأبناءكم و يدفعوهم إليه. ثم أتى غطفان وقال لهم مثل ما قال لقريش. فأرسل أبو سفيانو غطفان إلى بني قريظة في ليلة سبت إنالسنا بدار مقام فأعدوا للقتال، فاعتذراليهود بالسبت، و قالوا: مع ذلك لا نقاتلحتى تعطونا أبناءكم. فصدّق القوم خبرنعيم، و ردوا إليهم بالاباية من الرهن والحث على الخروج، فصدّق أيضا بنو قريظةخبر نعيم و أبوا القتال. و أرسل الله علىقريش و غطفان ريحا عظيمة أكفأت قدورهم وآنيتهم و قلعت أبنيتهم و خيامهم، و بعثعليه
(1) و في النسخة الباريسية: الأخرى و بيعا.