الخبر عن ملوك التبابعة من حمير و أوليتهمباليمن و مصاير أمورهم
هؤلاء الملوك من ولد عبد شمس بن واثل بنالغوث باتفاق من النسّابين، و قد مرّ نسبهإلى حمير، و كانت مدائن ملكهم صنعاء، ومأرب على ثلاث مراحل منها، و كان بهاالسدّ، ضربته بلقيس ملكة من ملوكهم سدّاما بين جبلين بالصخر و القار، فحقنت به ماءالعيون و الأمطار، و تركت فيه خروقا علىقدر ما يحتاجون إليه في سقيهم، و هو الّذييسمى العرم و السكر و هو جمع لا واحد له منلفظه قال الجعديّ:
من سبإ الحاضرين مأرب إذ
يبنون من دونسيله العرما
يبنون من دونسيله العرما
يبنون من دونسيله العرما
أي السدّ و يقال انّ الّذي بنى السدّ هوحمير أبو القبائل اليمنية كلها قالالأعشى:
ففي ذلك للمؤتسى اسوة
رخام بناه لهم حمير
إذا جاءه من رامه لميرم
مأرب غطى عليهالعرم
إذا جاءه من رامه لميرم
إذا جاءه من رامه لميرم
و قيل بناه لقمان الأكبر ابن عاد كما قالهالمسعودي، و قال: جعله فرسخا في فرسخ، وجعل له ثلاثين شعبا. و قيل و هو الأليق والأصوب أنه من بناء سبا بن يشجب، و أنّهساق إليه سبعين واديا، و مات قبل إتمامه،فأتمّه ملوك حمير من بعده. و إنّما رجّحناهلأنّ المباني العظيمة، و الهياكلالشامخة، لا يستقل بها الواحد كما قدّمنافي الكتاب الأوّل، فأقاموا في جناته عناليمين و الشمال كما وصف القرآن.
و دولتهم يومئذ أوفر ما كانت، و أترف وأبذخ و أعلى يدا و أظهر، فلمّا طغوا وأعرضوا سلّط الله عليهم الخلد، و هو الجرذفنقبه من أسفله فأجحفهم السيل، و أغرقجناتهم، و خربت أرضهم، و تمزّق ملكهم، وصاروا أحاديث.
و كان هؤلاء التبابعة ملوكا عدّة في عصورمتعاقبة، و أحقاب متطاولة، لم يضبطهمالحصر، و لا تقيدت منهم الشوارد. و ربّماكانوا يتجاوزون ملك اليمن إلى ما بعد عنهممن العراق و الهند و المغرب تارة، ويقتصرون على يمنهم أخرى، فاختلفت أحوالهمو اتفقت أسماء كثيرة من ملوكهم، و وقعاللبس في نقل أيامهم و دولهم، فلنأت بماصحّ منها متحرّيا جهد الإستطاعة عن طموسمن الفكر، و اقتفاء التقاييد المرجوع