و استخرجته من التابوت فرحمته. و قالت: هذامن العبرانيين فمن لنا بظئر (1) ترضعه.
فقالت لها أخته أنا آتيكم بها. و جاءتبأمّه فاسترضعتها له ابنة فرعون، إلى أنفصل.
فأتت به إلى ابنة فرعون و سمّته موسى وأسلمته لها. و نشأ عندها ثم شب، و خرج يومايمشي في الناس و له صولة بما كان له في بيتفرعون من المربى و الرضاع فهم لذلكأخواله، فرأى عبرانيا يضربه مصريّ فقتلالمصري الّذي ضربه و دفنه، و خرج يوما آخرفإذا هو برجلين من بني إسرائيل و قد سطاأحدهما على الآخر فزجره، فقال له و من جعللك هذا؟ أ تريد أن تقتلني كما قتلت الآخربالأمس. و نمي الخبر إلى فرعون فطلبه، وهرب موسى إلى أرض مدين (2) عند عقبة أيلة.
و بنو مدين أمّة عظيمة من بني إبراهيمعليه السلام، كانوا ساكنين هناك و كان ذلكلأربعين سنة من عمره، فلقى عند مائهمبنتين لعظيم من عظمائهم فسقى لهما، وجاءتا به الى أبيهما فزوّجه بإحداهما، كماوقع في القرآن الكريم، و أكثر المفسّرينعلى أنه شعيب بن نوفل بن عيقا بن مدين و هوالنبيّ صلّى الله عليه وسلّم. و قالالطبريّ:
الّذي استأجر موسى و زوّجه بنته رعويل (3) وهو بيتر حبر مدين، أي عالمهم، و أن رعويلهو الّذي زوّجه البنت و أنّ اسمه يبتر. و عنالحسن البصريّ انه شعيب رئيس بني مدين. وقيل انه ابن أخي شعيب. و قيل ابن عمه. فأقامعند شعيب صهره مقبلا على عبادة ربّه، إلىأن جاءه الوحي و هو ابن ثمانين سنة، و أوحىإلى أخيه هارون و هو ابن ثلاث و ثمانينسنة، فأوحى الله إليهما بأن يأتيا فرعونليبعث معهما بني إسرائيل فيستنقذانهم منمملكة القبط، و جور الفراعنة، و يخرجونإلى الأرض المقدّسة التي وعدهم اللهبملكها على لسان إبراهيم و إسحاق و يعقوب.فخرجا إليه و بلّغا بني إسرائيل الرسالةفآمنوا به و اتبعوه، ثم حضرا إلى فرعون وبلّغاه أمر الله له بأن يبعث معهما بنيإسرائيل و أراه موسى عليه السلام معجزةالعصا، فكان من تكذيبه و امتناعه و احضارالسحرة لما رأى موسى في معجزته ثم إسلامهمما نصّه القرآن العظيم.
ثم تمادى فرعون في تكذيبه و مناصبته، واشتدّ جوره على بني إسرائيل و استعبادهم
(1) الظئر: ج أظؤر و أظآر: المرضعة لولدغيرها (قاموس)
(2) و في التوراة: مديان.
(3) و في التوراة: رعوئيل