و السفر به و الايداع و البيع نساء و الرهن و الارتهان و الاقالة و نحو ذلك لانه فوض اليه الرأي في التصرف الذي تقتضيه الشركة فجاز له كل ما هو من التجارة ، فأما ما كان تمليكا بغير عوض كالهبة و الحطيطة لغير فائدة و القرض و العتق و مكاتبة الرقيق و تزويجهم و نحوه فليس له فعله لانه إنما فوض اليه العمل برأيه في التجارة و ليس هذا منها ( فصل ) و إن أخذ أحدهما ما لا مضاربة فربحه له و و ضيعته عليه دون صاحبه لانه يستحق ذلك في مقابلة عمله و ليس ذلك من المال الذي اشتركا فيه ، و قد قال أصحابنا في المضاربة إذا ضارب لرجل آخر رد ما حصل من الربح في شركة الاول إذا كان فيه ضرر على الاول فيجئ ههنا مثله ( فصل ) و الشركة من العقود الجائزة تبطل بموت أحد الشريكين و جنونه و الحجر عليه للسفه و بالفسخ من أحدهما لانها عقد جائز فبطلت بذلك كالوكالة ، و ان عزل أحدهما صاحب انعزل المعزول فلم يكن له أن يتصر الا في قدر نصيبه و للعازل التصرف في الجميع لان المعزول لم يرجع عن اذنه ، هذا إذا كان المال ناضا و ان كان عرضا فذكر القاضي أن ظاهر كلام أحمد أنه لا ينعزل بالعزل و له التصرف حتى ينض المال كالمضارب إذا عزله رب المال و ينبغي أن يكون له التصرف بالبيع دون المعاوضة بسلعة أخرى أو التصرف بغير ما ينض به المال و ذكر أبو الخطاب أنه يعزل مطلقا و هو مذهب الشافعي لانه عقد جائز فأشبه الوكالة ، فعلى هذا ان اتفقا على البيع أو القسمة فعلا و ان طلب أحدهما القسمة و الآخر البيع أجيب طالب القسمة دون طالب البيع ، فان قيل أ ليس إدا فسخ رب المال المضاربة فطلب
(134)
العامل البيع أجيب اليه ؟ فالجواب أن حق العامل في الربح و لا يظهر الربح الا بالبيع فاستحقه العامل لوقوف حصول حقه عليه ، و في مسئلتنا ما يحصل من الربح يستدركه كل واحد منهما في نصيبه من المتاع فلم يجبر على البيع ( فصل ) فان مات أحد الشريكين و له وارث رشيد فله أن يقيم على الشركة و يأذن له الشريك في التصرف و له المطالبة بالقسمة فان كان موليا عليه قام وليه مقامه في ذلك إلا أنه لا يفعل الا ما فيه المصلحة للمولى عليه ، فان كان الميت قد وصى بمال الشركة أو ببعضه لمعين فالموصى له كالوارث فيما ذكرنا و ان وصى به لغير معين كالفقراء لم يجز للوصي الاذن في التصرف لانه قد وجب دفعه انبهم فيعزل نصيبهم و يفرقه بينهم و ان كان على الميت دين تعلق بتركته فليس للوارث إمضاء الشركة حتى يقضي دينه فان قضاه من مال الشركة فله الاتمام و ان قضاه منه بطلت الشركة في قدر ما قضى ( فصل ) القسم الثالث أن يشترك بدن و مال و هذه المضاربة و تسمى قراضا أيضا و معناها ان يدفع رجل ماله إلى آخر يتجر له فيه على أن ما حصل من الربح بينهما حسب ما يشتر طانه فأهل العراق يسمونه مضاربة مأخوذة من الضرب في الارض و هو السفر فيها للتجارة قال الله تعالى ( و آخرون يضربون في الارض يبتغون من فضل الله ) و يحتمل أن يكون من ضرب كل واحد منهما في الربح
(135)
بسهم ، و يسميه أهل الحجاز القراض فقيل هو مشتق من القطع يقال قرض الفأر الثوب إذا قطعه فكأن صاحب المال اقتطع من ماله قطعة و سلمها إلى العامل و اقتطع له قطعة من الربح ، و قيل اشتقاقه من المساواة و الموازنة يقال تقارض الشاعر ان إذا وازن كل واحد منهما الآخر بشعره و ههنا من العامل العمل و من الاخر المال فتوازنا .و أجمع أهل العلم على جواز المضاربة في الجملة ذكره ابن المنذر و روي عن حميد بن عبد الله عن أبيه عن جده أن عمر بن الخطاب أعطاه مال يتيم مضاربة يعمل به في العراق و روي مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه أن عبد الله و عبيد الله ابني عمر بن الخطاب رضي الله عنه خرجا في جيش إلى العراق فتسلفا من أبي موسى ما لا و ابتاعا به متاعا و قد ما به إلى المدينة فباعاه و ربحا فيه فأراه عمر أخذ رأس المال و الربح ؟ ؟ كله فقالا لو تلف كان ضمانه علينا فلم لا يكون ربحه لنا ؟ فقال رجل يا أمير المؤمنين لو جعلته قراضا ؟ قال قد جعلته واخذ منهما نصف الربح ، و هذا يدل على جواز القراض و عن مالك عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن جده أن عثمان قارضه و عن قتادة عن الحسن أن عليا قال : إذا خالف المضارب فلا ضمان هما على ما شرطا و عن ابن مسعود و حكيم بن حزام أنهما قارضا و لا مخالف لهما في الصحابة فحصل إجماعا و لان بالناس حاجة إلى المضاربة فان الدارهم و الدنانير لا تنمي الا بالتقليب و التجارة و ليس كل من يملكها يحسن التجارة و لان كل من يحسن التجارة له رأس مال فاحتيج إليها من الجانبين فشرعها الله تعالى لدفع الحاجتين .إذا ثبت هذا فانها تنعقد بلفظ
(136)
المضاربة و القراض لانهما لفظان موضوعان لها أو بما يؤدي معناها لان المقصود المعنى فجاز بما دل عليه كلفظ التمليك في البيع ( فصل ) و حكمها حكم شركة العنان في أن كل ما جاز للشريك عمله جاز للمضارب عمله و ما منع منه الشريك منع منه المضارب و ما اختلف فيه ثم فههنا مثله و ما جاز ان يكون رأس مال الشركة جاز أن يكون رأس مال المضاربة و ما لا يجوز ثم لا يجوز ههنا على ما فصلناه ( فصل ) القسم الرابع ان يشترك مالان و بدن صاحب أحدهما فهذا يجمع شركة و مضاربة و هو صحيح فلو كان بين رجلين ثلاثة آلاف درهم لاحد هما ألف و للآخر الفان فاذن صاحب الالفين لصاحب الالف ان يتصرف فيها على ان يكون الربح بينهما نصفين صح و يكون لصاحب الالف ثلث الربح بحق ماله و الباقي و هو ثلثا الربح بينهما ، لصاحب الالفين ثلاثة أرباعه و للعامل ربعه و ذلك لانه جعل له نصف الربح فجعلناه ستة أسهم منها ثلاثة للعامل حصة ماله سهمان و سهم يستحقه بعمله في مال شريكه و حصة مال شريكه أربعة اسهم ، للعامل سهم و هو الربع ، فان قيل فكيف تجوز المضاربة و رأس المال مشاع ؟ قلنا انما تمنع الاشاعة الجواز إذا كانت مع العامل لانها تمنعه من التصرف بخلاف ما إذا كانت مع العامل فانها لا تمنعه من التصرف فلا تمنع من صحة المضاربة ، فان شرط للعامل ثلث الربح فقط فمال صاحبه بضاعة في يده و ليست مضاربة لان المضاربة انما تحصل إذا كان الربح بينهما فاما إذا قال ربح مالك لك و ربح
(137)
مالي لي فقبل الآخر كان إبضاعا لا و بهذا كله قال الشافعي ، و قال مالك لا يجوز ان يضم إلى القراض شركة كما لا يجوز ان يضم اليه عقد اجارة .و لنا انهما لم يجعلا احد العقدين شرطا للآخر فلم نمنع من جمعهما كما لو كان المال متميزا ( فصل ) إذا دفع اليه الفا مضاربة و قال أضف اليه الفا من عندك و اتجر بها و الربح بيننا لك ثلثاه ولي ثلثه جاز و كان شركة و قراضا ، و قال أصحاب الشافعي لا يصح لان الشركة إذا وقعت على المال كان الربح تابعا له دون العمل .و لنا أنهما تساويا في المال و انفرد أحدهما بالعمل فجاز أن ينفرد بزيادة الربح كما لو لم يكن له مال قولهم ان الربح تابع للمال وحده ممنوع بل هو تابع لهما كما انه حاصل بهما فان شرط العامل لنفسه ثلثي الربح لم يجز و قال القاضي يجوز بناء على جواز تفاضلهما في شركة العنان و لنا أنه اشترط لنفسه جزءا من الربح لا مقابل له فلم يصح كما لو شرط ربح مال العامل المنفرد ، و فارق شركة العنان لان فيها عملا منهما فجاز ان يتفاضلا في الربح لتفاضلهما في العمل بخلاف مسئلتنا و ان جعلا الربح بينهما نصفين و لم يقولا مضاربة جاز و كان ابضاعا كما تقدم و ان قالا مضاربة فسد العقد لما سنذكره انشاء الله تعالى ( فصل ) القسم الخامس ان يشترك بدنان بمال أحدهما و هو أن يكون المال من أحدهما و العمل منهما مثل ان يخرج أحدهما الفا و يعملان فيه معا و الربح بينهما فهذا جائز و نص عليه احمد في رواية ابي
(138)
الحارث و تكون مضاربة لان صاحب المال يستحق المشروط له من الربح بعمله في مال غيره و هذا هو حقيقة المضاربة ، و قال أبو عبد الله بن حامد و القاضي و أبو الخطاب إذا شرط ان يعمل معه رب المال لم يصح و هذا مذهب مالك و الاوزاعي و الشافعي و أصحاب الرأي و أبي ثور و ابن المنذر ، قال : و لا تصح المضاربة حتى يسلم المال إلى العامل و يخلي بينه و بينه لان المضاربة تقتضي تسليم المال إلى المضارب فإذا شرط عليه العمل فلم يسلمه لان يده عليه فيخالف موضوعها ، و تأول القاضي كلام أحمد و الخرقي على أن رب المال عمل من اشتراط و لنا أن العمل أحد ركني المضاربة فجاز أن ينفرد به أحدهما مع وجود الامرين من الآخر كالمال و قولهم إن المضاربة تقتضي تسليم المال إلى العامل ممنوع إنما تقتضي إطلاق التصرف في مال غيره بجزء مشاع من ربحه و هذا حاصل مع اشتراكهما في العمل و لهذا لو دفع ماله إلى اثنين مضاربة صح و لم يحصل تسليم المال إلى أحدهما ( فصل ) و ان شرط أن يعمل معه غلام رب المال صح و هذا ظاهر كلام الشافعي و قول أكثر الصحابة و منعه بعضهم و هو قول القاضي لان يد الغلام كيد سيده و قال أبو الخطاب فيه وجهان ( أحدهما ) الجواز لان عمل الغلام مال لسيده فصح ضمه اليه كما يصح أن يضم اليه بهيمة يعمل عليها ( فصل ) و أما شركة المفاوضة فنوعان ( أحدهما ) أن يشتركا في جميع أنواع الشركة مثل أن يجمعا
(139)
بين شركة العنان و الوجوه و الابدان فيصح ذلك لان كل نوع منها يصح على انفراده فصح مع غيره ( و الثاني ) أن يدخلا بينهما في الشركة الاشتراك فيما يحصل لكل واحد منهما من ميراث أو يجده من ركاز أو لقطة و يلزم كل واحد منهما ما يلزم الآخر من أرش جناية و ضمان غصب و قيمة متلف و غرامة الضمان أو كفالة فهذا فاسد و بهذا قال الشافعي ، و أجازه الثوري و الاوزاعي و أبو حنيفة و حكى ذلك عن مالك ، و شرط أبو حنيفة لها شروطا و هي أن يكونا حرين مسلمين و ان يكون مالهما في الشركة سواء و أن يخرجا جميع ما يملكانه من جنس الشركة و هو الدراهم و الدنانير .و احتجوا بما روي عن النبي صلى الله عليه و سلم انه قال ( إذا تفاوضتم فأحسنوا المفاوضة ) و لانها نوع شركة يختص بإسم فكان فيها صحيح كشركة العنان و لنا انه عقد لا يصح بين الكافرين و لا بين كافر و مسلم فلم يصح بين المسلمين كسائر العقود الفاسدة و لانه عقد لم يرد الشرع بمثله فلم يصح كما ذكرنا و لان فيه غررا فلم يصح كبيع الغرر ، و بيان غرره أنه يلزم كل واحد ما لزم الآخر و قد يلزمه شيء لا يقدر على القيام به و قد أدخلا فيه الاكساب النادرة ، و الخبر لا نعرفه و لا رواه أصحاب السنن ثم ليس فيه ما يدل على أنه أراد هذا العقد فيحتمل أنه أراد المفاوضة في الحديث و لهذا روي فيه ( و لا تجاد لوا فان المجادلة من الشيطان ) و أما القياس فلا يصح فان اختصاصها بإسم لا يقتضى الصحة كبيع المنابذة و الملامسة و سائر البيوع الفاسدة و شركة العنان تصح من الكافرين و الكافر و المسلم بخلاف هذا .