فيما ظنه منها عنه .إذا ثبت هذا فان حكم المزارعة حكم المساقاة في انها انما تجوز بجزء للعامل من الزرع و في جوازها و لزومها و ما يلزم العامل و رب الارض و غير ذلك من احكامها ( فصل ) و إذا كان في الارض شجر و بينه بياض أرض فساقاه على الشجر و زارعه الارض التي بين الشجر جاز سواء قل بياض الارض أو كثر نص عليه أحمد ، و قال قد دفع النبي صلى الله عليه و سلم خيبر على هذا و بهذا قال كل من أجاز المزارعة في الارض المفردة فإذا قال ساقيتك على الشجر و زار عتك على الارض بالنصف جاز ، و ان قال عاملتك على الارض و الشجر على النصف جاز لان المعاملة تشملهما ، و ان قال زارعتك الارض بالنصف و ساقيتك على الشجر بالربع جاز كما يجوز أن يساقيه على أنواع من الشجر و يجعل له في كل نوع قدرا ، و ان قال ساقيتك على الارض و الشجر بالنصف جاز لان المزارعة مساقاة من حيث انها تحتاج إلى السقي فيها لحاجة الشجر اليه ، و قال أصحاب الشافعي لا يصح لان المساقاة لا تتناول الارض و تصح في النخل وحده و قيل ينبني على تفريق الصفقة و لنا أنه عبر عن عقد بلفظ عقد يشاركه في المعني المشهور به في الاشتقاق فصح كما لو عبر بلفظ البيع في السلم لان المقصود المعنى و قد علم بقرائن أحواله ، و هكذا ان قال في الارض البيصاء ساقيتك على هذه الارض بنصف ما يزرع فيها ، فأما إن قال ساقيتك على الشجر بالنصف و لم يذكر الارض لم تدخل في العقد و ليس للعامل أن يزرع و بهذا قال الشافعي ، و قال مالك و أبو يوسف للداخل زرع البياض فان
(589)
تشارطا أن ذلك بينهما فهو جائز ، و إن اشترط صاحب الارض أنه يزرع البياض لم يصلح لان الداخل يسقي لرب الارض فتلك زيادة ازدادها عليه و لنا أن هذا لم يتناوله العقد فلم يدخل فيه كما لو كانت أرضا منفردة ( فصل ) و إن زارعه أرضا فيها شجرات يسيرة لم يجز أن يشترط العامل ثمرتها و بهذا قال الشافعي و ابن المنذر و أجازه مالك إذا كان الشجر بقدر الثلث أو أقل لانه يسير فيدخل تبعا و لنا أنه اشترط الثمرة كلها فلم يجز كما لو كان الشجر أكثر من الثلث ( فصل ) و إن أجره بياض أرض و ساقاه على الشجر الذي فيها جاز لانهما عقدان يجوز افراد كل واحد منهما فجاز الجمع بينهما كالبيع و الاجارة ، و يحتمل أن لا يجوز بناء على الوجه الذي لا يجوز الجمع بينهما في الاصل و الاول أولى إلا أن يفعلا ذلك حيلة على شراء الثمرة قبل وجودها أو قبل بدو صلاحها فلا يجوز سواء جمعا بين العقدين أو عقدا أحدهما بعد الآخر لما ذكرنا في إبطال الحيل ( مسألة ) قال ( إذا كان البذر من رب الارض ) ظاهر المذهب أن المزارعة انما تصح إذا كان البذر من رب الارض و العمل من العامل نص عليه أحمد في رواية جماعة و اختاره عامة الاصحاب و هو مذهب ابن سيرين و الشافعي و إسحاق لانه عقد يشترك العامل و رب المال في نمائه فوجب أن يكون رأس المال كله من عند أحدهما كالمساقاة و المضاربة
(590)
و قد روي عن أحمد ما يدل على أن البذر يجوز أن يكون من العامل فانه قال في رواية مهنا في الرجل يكون له الارض فيها نخل و شجر يدفعها إلى قوم يزرعون الارض و يقومون على الشجر على أن له النصف و لهم النصف فلا بأس بذلك و قد دفع النبي صلى الله عليه و سلم خيبر على هذا ، فأجاز دفع الارض لزرعها من ذكر البذر .فعلى هذا أيهما أخرج البذر جاز ، و روي نحو ذلك عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه و هو قول أبي يوسف و طائفة من أهل الحديث و هو الصحيح ان شاء الله تعالى و روي عن سعد و ابن مسعود و ابن عمر أن البذر من العامل و لعلهم أرادوا أنه يجوز أن يكون من العامل فيكون كقول عمر و لا يكون قولا ثالثا .و الدليل على صحة ما ذكرنا قول ابن عمر دفع رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى يهود خيبر نخل خيبر و أرضها على أن يعملوها من أموالهم و لرسول صلى الله عليه و سلم شطر ثمرتها و في لفظ على أن يعملوها و يزرعوها و لهم شطر ما يخرج منها .أخرجهما البخاري فجعل عملها من أموالهم و زرعها عليهم و لم يذكر شيئا آخر ، و ظاهره أن البذر من أهل خيبر ، و الاصل المعول عليه في المزارعة قصة خيبر و لم يذكر النبي صلى الله عليه و سلم أن البذر على المسلمين و لو كان شرطا لما أخل بذكره و لو فعله النبي صلى الله عليه و سلم و أصحابه لنقل و لم يجز الاخلال بنقله ، و لان عمر رضي الله عنه فعل الامرين جميعا فان البخاري
(591)
روى عنه أنه عامل الناس على أنه إن جاء عمر بالبذر من عنده فله الشطر و إن جاءوا بالبذر فلهم كذا فظاهر هذا أن ذلك اشتهر فلم ينكر فكان إجماعا ، فما قيل هذا بمنزلة بيعتين في بيعة فكيف يفعله عمر رضي الله عنه ؟ قلنا يحتمل أنه قال ذلك ليخيرهم في أي العقدين شاءوا فمن اختار عقد ا عقده معه معينا كما لو قال في البيع ان شئت بعتكه بعشرة صحاح ، و إن شئت بأحد عشر مسكورة فاختار أحدهما فعقد البيع معه عليه معينا ، و يجوز أن يكون مجيئه بالبذر أو شروعه في العمل بغير بذر مع اقرار عموله على ذلك و علمه به جرى مجرى العقد و لهذا روي عن أحمد رحمه الله صحة الاجارة فيما إذا قال إن خطته روميا فلك درهم و إن خطته فارسيا فلك نصف درهم ، و ما ذكره أصحابنا من القياس يخالف ظاهر النص و الاجماع الذين ذكرناهما فكيف يعمل به ؟ ثم هو منتقض بما إذا اشترك مالان و بدن صاحب أحدهما ( فصل ) فان كان البذر منهما نصفين و شرطا أن الزرع بينهما نصفان فهو بينهما ، سواء قلنا بصحة المزارعة أو فسادها لانها ان كانت صحيحة فالزرع بينهما على ما شرطاه و ان كانت فاسدة فلكل واحد منهما بقدر بذره ، لكن إن حكمنا بصحتها لم يرجع أحدهما على صاحبه بشيء ، و إن قلنا من شرط صحتها إخراج رب المال البذر فهي فاسدة فعلى العامل نصف أجر الارض و له على رب الارض نصف أجر عمله فيتقاصان بقدر الاقل منهما و يرجع أحدهما على صاحبه بالفضل .و ان شرطا التفاضل في الزرع و قلنا بصحتها فالزرع بينهما على ما شرطاه و لا تراجع بينهما ، و ان قلنا بفسادها فالزرع بينهما على قدر بذرهما و يتراجعان كما ذكرنا و كذلك ان تفاضلا في البذر و شرطا التساوي في الزرع أو شرطا لاحدهما أكثر من قدر بذره أو أقل
(592)
( فصل ) فان قال صاحب الارض أجرتك نصف أرضي هذه بنصف بذرك و نصف منفعتك و منفعة بقرك و آلتك و أخرج المزارع البذر كله لم يصح لان المنفعة معلومة ، و كذلك لو جعلها أجرة لارض أخرى أو دار لم يجز و يكون الزرع كله للمزارع و عليه أجر مثل الارض ، و ان أمكن علم المنفعة و ضبطها بما لا تختلف معه و معرفة البذر جاز و كان الزرع بينهما ، و يحتمل أن لا يصح لان البذر عوض في الاجارة فيشترط قبضه كما لو كان مبيعا و ما حصل فيه قبض ، و ان قال أجرتك نصف أرضي بنصف منفعتك و منفعة بقرك و آلتك و أخرجا البذر فهي كالتي قبلها الا أن الزرع يكون بينهما على كل حال ( مسألة ) قال ( فان اتفقا على أن يأخذ رب الارض مثل بذره و يقتسما ما بقي لم يجز ) و كانت للمزارع أجرة مثله و كذلك يبطل إن أخرج المزارع البذر و يصير الزرع للمزارع و عليه أجرة الارض ، أما إذا اتفقا على أن يأخذ رب الارض مثل بذره فلا يصح لانه كأنه اشترط لنفسه قفزانا معلومة و ذلك شرط فاسد تفسد به المزارعة لان الارض ربما لا يخرج منها إلا تلك القفزان فيختص رب المال بها و ربما لا تخرجها الارض ، و أما إذا أخرج المزارع البذر فهو مبني على الروايتين في صحة هذا الشرط و قد ذكر الخرقي أنه فاسد فإذا أخرج المزارع البذر فسدت كما لو أخرج العامل في المضاربة رأس
(593)
المال من عنده و متى فسدت المزارعة فالزرع لصاحب البذر لانه عين ماله ينقلب من حال إلى حال و ينمو فصار كصغار الشجر إذا غرس فطال و البيضة إذا حصنت فصارت فرخا ، و البذر ههنا من المزراع فكان الزرع له و عليه أجر الارض لان ربها انما بذلها له بعوض لم يسلم له فرجع إلى عوض منافعها النابتة بزرعها على صاحب الزرع ، و لو فسدت البذر من رب الارض كان الزرع له و عليه أجر مثل العامل لذلك و إن كان البذر منهما فالزرع بينهما و يتراجعان بما يفضل لاحدهما على صاحبه من أجر مثل الارض التي فيها نصيب العامل و أجر العامل بقدر عمله في نصيب صاحب الارض ( فصل ) و إن زارعه على أن لرب الارض زرعا بعينه و للعامل زرعا بعينه مثل أن يشترط لاحدهما زرع ناحية و للآخر زرع أخرى أو يشترط أحدهما ما على السواقي و الجد أول إما منفردا أو مع نصيبه فهو فاسد بإجماع العلماء لان الخبر صحيح في النهي عنه معارض و لا منسوخ و لانه يودى إلى تلف ما عين لاحدهما دون الآخر فينفرد أحدهما بالغلة دون صاحبه ( فصل ) و الشروط الفاسدة في المساقاة و المزارعة تنقسم قسمين ( أحدهما ) ما يعود بجهالة نصيب كل واحد منهما مثل ما ذكرنا ههنا أو أن يشترط أحدهما نصيبا مجهولا أو دراهم معلومة أو أقفزة معينة أو أنه إن سقي سيحا فله كذا و إن سقي بكلفة فله كذا ، فهذا يفسدها لانه يعود إلى جهالة المعقود عليه فأشبه البيع بثمن مجهول و المضاربة مع جهالة نصيب أحدهما ، و إن شرط البذر من العامل فالمنصوص
(594)
عن أحمد فساد العقد لان الشرط إذا فسد لزم كون الزرع لرب البذر لكونه نماء ماله فلا يحصل لرب الارض شيء منه و يستحق الاجر و هذا معنى الفساد ، فأما إن شرط ما لا يفضي إلى جهالة الربح كعمل رب المال معه أو عمل العامل في شيء آخر فهل تفسد المساقاة و المزارعة ؟ يخرج على روايتين بناء على الشرط الفاسد في البيع و المضاربة ( فصل ) و ان دفع رجل بذره إلى صاحب الارض ليزرعه في أرضه و يكون ما يخرج بينهما فهو فاسد أيضا لان البذر ليس من رب الارض و لا من العامل و يكون الزرع لصاحب البذر و عليه أجر الارض و العمل ، و ان قال صاحب الارض لرجل أنا ازرع الارض ببذري و عواملي و يكون سقيها من مائك و الزرع بيننا ففيها روايتان ( احداهما ) لا يصح اختارها القاضي لان موضع المزارعة على أن يكون من أحذهما الارض ، و من الآخر العمل و ليس من صاحب الماء أرض و لا عمل و لا بذر و لان الماء لا يباع و يستأجر فيكف تصح المزارعة به ؟ ( و الثانية ) يصح اختارها أبو بكر و نقلها عن أحمد يعقوب بن بختان و حرب لان الماء أحد ما يحتاج اليه في الزرع فجاز أن يكون من أحدهما كالارض و العمل و الاول أصح لان هذا ليس بمنصوص عليه و لا في معنى المنصوص لما ذكرناه ( فصل ) و ان اشترك ثلاثة من أحدهم الارض و من الآخر البذر و من الآخر البقر و العمل على أن ما رزق الله بينهم فعملوا فهذا عقد فاسد نص عليه في رواية أبي داود و مهنا و أحمد بن القاسم ، و ذكر حديث مجاهد في أربعة اشتركوا في زرع على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال أحدهم علي الفدان و قال