في المال بالتجارة فكان تلفه من الربح كما لو كان رأس المال دينارا واحدا فاشترى به سلعتين و لانهما سلعتان تجبر خسارة احداهما بربح الاخرى فجبر تلفها به كما لو كان رأس المال دينارا و لانه رأس مال واحد فلا يستحق المضارب فيه ربحا حتى يكمل رأس المال كالذي ذكرنا ، فاما ان تلف أحد الالفين قبل الشراء به و التصرف فيه أو تلف بعضه انفسخت المضاربة فيما تلف و كان رأس المال الباقي خاصة ، و قال بعض الشافعية مذهب الشافعي أن التالف من الربح و رأس المال الالفان معا لان المال انما يصيره قراضا بالقبض فلا فرق بين هلاكه قبل التصرف و بعده و لنا انه مال هلك على جهته قبل التصرف فيه فكان رأس المال الباقي كما لو تلف قبل القبض و فارق ما بعد التصرف لانه دار في التجارة و شرع فيما قصد بالعقد من التصرفات المؤدية إلى الربح .( فصل ) و إذا دفع اليه الفا مضاربة ثم دفع اليه ألفا آخر مضاربة و أذن له في ضم أحدهما إلى الآخر قبل التصرف في الاول جاز و صارا مضاربة واحدة كما لو دفعهما اليه مرة واحدة ، و ان كان بعد التصرف في الاول في شراء المتاع لم يجز لان حكم الاول استقر فكان ربحه و خسر انه مختصا به فضم الثاني اليه يوجب جبران خسران أحدهما بربح الآخر ، فإذا شرط ذلك في الثاني فسد فان نض الاول جاز ضم الثاني اليه لزوال هذا المعنى و ان لم يأذن له في ضم الثاني إلى الاول لم يجز له ذلك نص عليه أحمد و قال إسحاق له ذلك قبل ان يتصرف في الاول
(176)
و لنا انه أفرد كل واحد بعقد فكانا عقدين لكل عقد حكم نفسه و لا تجبر وضيعة أحدهما بربح الآخر كما لو نهاه عن ذلك ( فصل ) قالا الاثرم سمعت أبا عبد الله يسئل عن المضارب يربح و يضع مرارا فقال يرد الوضيعة على الربح الا أن يقبض المال صاحبه ثم يرده اليه فيقول اعمل به ثانية فما ربح بعد ذلك لا تجبر به وضيعة الاول فهذا ليس في نفسي منه شيء و أما ما لم يدفع اليه فحتى يحتسبا حسابا كالقبض كما قال ابن سيرين ، قيل و كيف يكون حسابا كالقبض ؟ قال يظهر المال يعني ينض و يجئ فيحتسبان عليه فان شاء صاحب المال قبضه ، قيل له فيحستبان على المتاع ؟ فقال لا يحتسبان الاعلى الناض لان المتاع قد ينحط سعره و يرتفع ، قال أبو طالب قيل لاحمد رجل دفع إلى رجل عشرة آلاف درهم مضاربة فوضع فبقيت ألف فحاسبه صاحبها ثم قال له اذهب فاعمل بها فربح ؟ قال يقاسمه ما فوق الالف يعني إذا كانت الالف ناضة حاضرة انشاء صاحبها قبضها فهذا الحساب الذي كالقبض فيكون أمره بالمضاربة بها في هذه الحال ابتداء مضاربة ثانية كما لو قبضها منه ثم ردها اليه فأما قبل ذلك فلا شيء للمضارب حتى يكمل عشرة آلاف ، و لو ان رب المال و المضارب اقتسما الربح أو أخذ أحدهما منه شيئا باذن صاحبه و المضاربة بحالها ثم سافر المضارب به فخسر كان على المضارب رد ما أخذه من الربح لاننا تبينا انه ليس بربح ما لم تنجبر الخسارة
(177)
( فصل ) و إذا قارض في مرضه صح لانه عقد يبتغى به الفضل فأشبه البيع و الشراء و للعامل ما شرط له من الربح و ان زاد على شرط مثله و إلا يحتسب به من ثلثه لان ذلك مستحق من مال رب المال و انما حصل بعمل المضارب في المال فما يوجد من الربح المشروط يحدث على ملك العامل بخلاف ما لو حابى الاجير في الاجر فانه يحتسب بما حاباه من ثلثه لان الاجر يؤخذ من ماله ، و لو شرط في المساقاة و المزارعة أكثر من أجر المثل احتمل ان لا يحتسب به من ثلثه لان الثمرة تخرج على ملكيهما كالربح في المضاربة و احتمل ان يكون من ثلثه لان الثمرة زيادة في ملكه خارجة عن عينه و الربح لا يخرج عن يمين المال انما يحصل بالتقليب ( فصل ) و اذا مات رب المال قدمنا حصة العامل على غرمائه و لم يأخذوا شيئا من نصيبه لانه يملك الربح بالظهور فكان شريكا فيه و ليس لرب المال شيء من نصيبه فهو كالشريك بماله و لان حقه متعلق بعين المال دون الذمة فكان مقدما كحق الجناية و لانه متعلق بالمال قبل الموت فكان أسبق كحق الرهن ( فصل ) و ان مات المضارب و لم يعرف مال المضاربة بعينه صار دينا في ذمته و لصحابه أسوة الغرماء و قال الشافعي ليس على المضارب شيء لانه لم يكن له في ذمته و هو حي شيء و لم يعلم حدوث ذلك بالموت فانه يحتمل ان يكون المال قد هلك
(178)
و لنا ان الاصل بقاء المال في يده و اختلاطه بجملة التركة و لا سبيل إلى معرفة عينه فكان دينا كالوديعة إذا لم تعرف عينها و لانه لا سبيل إلى إسقاط حق رب المال لان الاصل بقاؤه و لم يوجد ما يعارض ذلك و يخالفه و لا سبيل إلى إعطائه عينا من هذا المال لانه يحتمل ان يكون من مال المضاربة فلم يبق الا تعلقه بالذمة ( مسألة ) قال ( و إذا تبين للمضارب ان في يده فضلا لم يكن له أخذ شيء منه الا باذن رب المال ) و جملته ان الربح إذا ظهر في المضاربة لم يجز للمضارب اخذ شيء منه بغير إذن رب المال لا نعلم في هذا بين أهل العلم خلافا انما لم يملك ذلك لامور ثلاثة ( أحدها ) ان الربح وقاية لرأس المال فلا يأمن الخسران الذي يكون هذا الربح جابرا له فيخرج بذلك عن ان يكون ربحا ( الثاني ) ان رب المال شريكه فلم يكن له مقاسمة نفسه ( و الثالث ) ان ملكه عليه مستقر لانه بعرض ان يخرج عن يده بجبران خسارة المال و ان أذن رب المال في أخذ شيء جاز لان الحق لهما لا يخرج عنهما ( فصل ) و ان طلب أحدهما قسمة الربح دون رأس المال و أبى الآخر قدم قول الممتنع لانه ان كان رب المال فلانه لا يأمن الخسران في رأس المال فيجبره بالربح و ان كان العامل فانه لا يأمن ان يلزمه رد
(179)
ما أخد في وقت لا يقدر عليه و ان تراضيا على ذلك جاز لان الحق لهما و سواء اتفقا على قسمة جميعه أو بعضه أو على ان يأخذ كل واحد منهما شيئا معلوما ينفقه ، ثم متى ظهر في المال خسران أو تلف كله لزم العامل رد اقل الامرين مما أخذه أو نصف خسران المال إذا اقتسما الربح نصفين و بهذا قال الثوري و الشافعي و إسحاق ، و قال أبو حنيفة لا تجوز القسمة حتى يستوفي رب المال ماله ، قال ابن المنذر إذا اقتسما الربح و لم يقبض رب المال رأس ماله فأكثر أهل العلم يقولون برد العامل الربح حتى يستوفي رب المال ماله و لنا على جواز القسمة ان المال لهما فجاز لهما ان يقتسما بعضه كالشريكين أو نقول انهما شريكان فجاز لهما قسمة الربح قبل المفاصلة كشريكي العنان ( فصل ) و المضاربة من العقود الجائزة تنفسخ بفسخ أحدهما أيهما كان و بموته و جنونه و الحجر عليه لفسه لانه متصرف في مال غيره باذنه فهو كالوكيل ، و لا فرق بين ما قبل التصرف و بعده فإذا انفسخت و المال ناض لا ربح فيه أخذه ربه و إن كان فيه ربح قسما الربح على ما شرطاه ، و إن انفسخت و المال عرض فاتفقا على بيعه أو قسمه جاز لان الحق لهما لا يعدوهما ، و ان طلب العامل البيع و أبى رب المال و قد ظهر في المال ربح أجبر رب المال على البيع و هو قول إسحاق و الثوري لان حق العامل في الربح و لا يظهر إلا بالبيع و ان لم يظهر ربح لم يجبرلانه لاحق له فيه و قد رضيه مالكه كذلك فلم يجبر على
(180)
بيعه و هذا ظاهر مذهب الشافعي و قال بعضهم فيه وجه آخر انه يجبر على البيع لانه ربما زاد فيه زائد أو رغب فيه راغب فزاد على ثمن المثل فيكون للعامل في البيع حظ و لنا أن المضارب إنما استحق الربح إلى حين الفسخ و ذلك لا يعلم إلا بالتقويم ألا ترى أن المستعير إذا غرس أو بني أو المشتري كان للمعير و الشفيع أن يدفعا قيمة ذلك لانه مستحق للارض فههنا أولى و ما ذكروه من احتمال الزيادة بزيادة مزايد أو راغب على قيمته فانما حدث ذلك بعد فسخ العقد فلا يستحقها العامل ، و ان طلب رب المال البيع و أبى العامل ففيه وجهان ( أحدهما ) يجبر العامل على البيع و هو قول الشافعي لان عليه رد المال ناضا كما أخذه ( و الثاني ) لا يجبر إذا لم يكن في المال ربح أو أسقط حقه من الربح لانه بالفسخ زال تصرفه و صار أجنبيا من المال فأشبه الوكيل إذا اشترى ما يستحق رده فزالت وكالته قبل رده ، و لو كان رأس المال دنانير فصار دراهم أو دراهم فصار دنانير فهو كما لو كان عرضا على ما شرح ، و إذا نض رأس المال جميعه لم يلزم العامل أن ينض له الباقي لانه شركة بينهما و لا يلزم الشريك أن ينض مال شريكه و لانه انما لزمه أن ينض رأس المال ليرد اليه رأس ماله على صفته و لا يوجد هذا المعنى في الربح ( فصل ) و ان انفسخ القراض و المال دين لزم العامل تقاضيه سواء ظهر في المال ربح أو لم يظهر و بهذا قال الشافعي و قال أبو حنيفة ان ظهر ربح لزمه تقاضيه و ان لم يظهر ربح لم يلزمه تقاضيه لانه لا غرض له في العمل فهو كالوكيل
(181)
و لنا أن المضاربة تقتضي رد رأس المال على صفته و الديون لا تجري مجرى الناض فلزمه أن ينضه كما لو ظهر في المال ربح و كما لو كان رأس المال عرضا و يفارق الوكيل فانه لا يلزمه رد المال كما قبضه و لهذا لا يلزمه بيع العروض ، و لا فرق بين كون الفسخ من العامل أو رب المال فان اقتضى منه قدر رأس المال أو كان الدين قدر الربح أو دونه لزم العامل تقاضيه أيضا لانه انما يستحق نصيبه من الربح عند وصوله إليهما على وجه يمكن قسمته و وصول كل واحد منهما إلى حقه منه و لا يحصل ذلك إلا بعد تقاضيه ( فصل ) وأي المتقارضين مات أو جن انفسخ القراض لانه عقد جائز فانفسخ بموت أحدهما و جنونه كالتوكيل فان كان الموت أو الجنون يرب المال فأراد الوارث أو وليه إتمامه و المال ناض جاز و يكون رأس المال و حصته من الربح رأس المال و حصة العامل من الربح شركة له مشاعة و هذه الاشاعة لا تمنع لان الشريك هو العامل و ذلك لا يمنع التصرف ، فان كان المال عرضا و أرادوا إتمامه فظاهر كلام أحمد جوازه لانه قال في رواية على بن سعيد إذا مات رب المال لم يجز للعامل أن يبيع و لا يشتري الا باذن الورثة ، فظاهر هذا بقاء العامل على قراضه و هو منصوص الشافعي لان هذا إتمام للقراض لا ابتداء له و لان القراض انما منع منه في العروض لانه يحتاج عند المفاصلة إلى رد مثلها أو قيمتها و يختلف ذلك باختلاف الاوقات و هذا موجود ههنا لان رأس المال العروض و حكمه باق .