( فصل ) و لا يثبت الغصب فيما ليس بمال كالحر فانه لا يضمن بالغصب انما يضمن بالاتلاف و ان أخذ حرا فحبسه فمات عنده لم يضمنه لانه ليس بمال ، و ان استعمله مكرها لزمه أجر مثله لانه استوفى منافعه و هي متقومة فلزمه ضمانها كمنافع العبد و ان حبسه مدة لمثلها أجر ففيه وجهان ( أحدهما ) يلزمه أجر تلك المدة لانه فوت منفعته و هي مال يجوز أخذ العوض عنها فضمنت بالغصب كمنافع العبد ، ( و الثاني ) لا يلزمه لانها تابعة لما لا يصح غصبه فأشبهت ثيابه إذا بليت عليه و أطرافه و لانها تلفت تحت يديه فلم يجب ضمانها كما ذكرنا ، و لو منعه العلم من حبس لم يضمن منافعه وجهان واحدا لانه لو فعل ذلك بالعبد لم يضمن منافعه فالحر أولى و لو حبس الحر و عليه ثياب لم يلزمه ضمانها لانها تابعة لما لم تثبت اليد عليه في الغصب و سواء كان كبيرا أو صغيرا و هذا كله مذهب أبي حنيفة و الشافعي
(449)
( فصل ) وام الولد مضمونة بالغصب و بهذا قال الشافعي و أبو يوسف و محمد ، و قال أبو حنيفة لا تضمن لان أم الولد لا تجري مجرى المال بدليل انه لا يتعلق بها حق الغرماء فأشبهت الحر و لنا ان ما يضمن بالقيمة يضمن بالغصب كالقن و لانها مملوكة فأشبهت المدبرة و فارقت الحرة فانها ليست مملوكة و لا تضمن بالقيمة ( فصل ) و إذا فتح قفصا على طائر فطار ، أو حل دابته فذهبت ضمنها و به قال مالك و قال أبو حنيفة و الشافعي لا ضمان عليه الا ان يكون اهاجهما حتى ذهبا ، و قال اصحاب الشافعي ان وقفا بعد الحل و الفتح ثم ذهبا لم يضمنهما و ان ذهبا عقيب ذلك ففيه قولان و احتجا بأن لهما اختيارا و قد وجدت منهما المباشرة و من الفاتح سبب ملجئ فإذا اجتمعا لم يتعلق الضمان بالسبب كما لو حفر بئرا فجاء عبد لانسان فرمى نفسه فيها
(450)
و لنا أنه ذهب بسبب فعله فلزمه الضمان كما لو نفره أو ذهب عقيب فتحه وحله و المباشره انما حصلت ممن لا يمكن احالة الحكم عليه فيسقط كما لو نفر الطائر واهاج الدابة أو اشلى كلبا على صبي فقتله أو أطلق نارا في متاع إنسان فان للنار فعلا لكن لما لم يمكن احالة الحكم عليها كان وجوده كعدمه و لان الطائر و سائر الصيد من طبعه النفور و انما يبقى بالمانع فإذا ازيل المانع ذهب بطبعه فكان ضمانه على من ازال المانع كمن قطع علاقة قنديل فوقع فانكسر و هكذا لو حل قيد عبد فذهب أو اسير فأفلت و ان فتح القفص وحل الفرس فبقيا واقفين فجاء إنسان فنفرهما فذهبا فالضمان على منفرهما لان سببه اخص فاختص المضان به كالدافع مع الحافر ، و ان وقع طائر إنسان على جدار فنفره إنسان فطار لم يضمنه
(451)
لان تنفيره لم يكن سبب فواته فانه كان ممتنعا قبل ذلك و ان رماه فقتله ضمنه و ان كان في داره لانه كان يمكنه تنفيره بغير قتله و كذلك لو مر الطائر في هواء داره فرماه فقتله ضمنه لانه لا يملك منع الطائر من هواء داره فهو كما لو رماه في هواء دار غيره ( فصل ) و لو حل زقا فيه مائع فاندفق ضمنه سواء خرج في الحال أو خرج قليلا قليلا أو خرج منه شيء بل أسفله فسقط أو ثقل أحد جانبيه فلم يزل يميل قليلا قليلا حتى سقط أو سقط بريح أو بزلزلة الارض أو كان جامدا فذاب بشمس لانه تلف بسبب فعله و قال القاضي لا يضمن إذا سقط بريح أو زلزلة و يضمن فيما سوى ذلك و هو قول أصحاب الشافعي و لهم فيما إذا ذاب بالشمس وجهان و احتجوا بأن فعله ملجئ و المعنى الحادث مباشرة فلم يتعلق الضمان بفعله كما لو دفعه إنسان و لنا أن فعله سبب تلفه و لم يتخلل بينهما ما يمكن احالة الحكم عليه فوجب عليه الضمان كما لو خرج عقيب فعله أو مال قليلا قيلا و كما لو جرح إنسانا فأصابه الحر أو البرد فسرت الجناية فانه يضمن ، و أما
(452)
ان دفعه إنسان فان المتخلل بينهما مباشرة يمكن الاحالة عليها بخلاف مسئلتنا و لو كان جامدا فأدني منه آخر نارا فأذابه فسال فالضمان على من أذابه لان سببه أخص لكون التلف يعقبه فأشبه المنفر مع فاتح القفص و قال بعض الشافعية لا ضمان على واحد منهما كسارقين نقب أحدهما و أخرج آخر المتاع و هذا فاسد لان مدني النار ألجاه إلى الخروج فضمنه كما لو كان واقفا فدفقه و المسألة حجة عليه فان الضمان على مخرج المتاع من الحرز و القطع حد لا يجب الا بهتك الحرز واخذ المال جميعا ثم ان الحد يدرأ بالشبهات بخلاف الضمان ، و لو أذابه أحدهما أولا ثم فتح الثاني رأسه فاندفق فالضمان على الثاني لان التلف تعقبه و ان فتح زقا مستعلي الرأس فخرج بعض ما فيه و استمر خروجه قليلا قليلا فجاء آخر فكنسه فاندفق فضمان ما خرج بعد التنكيس على المنكس و ما قبله على الفاتح لان فعل الثاني أخص كالجارح و الذابح ( فصل ) و ان حل رباط سفينة فذهبت أو غرقت فعليه قيمتها سواء تعقب فعله أو تراخي و الخلاف فيها كالخلاف في الطائر في القفص
(453)
( فصل ) إذا أو قد في ملكه نارا أو في موات فطارت شرارة إلى دار جاره فأحرقتها أو سقي أرضه فنزل الماء إلى ارض جاره فغرقها لم يضمن إذا كان فعل ما جرت به العادة من تفريط لانه متعد و لانها سراية فعل مباح فلم يضمن كسراية القود ، و فارق من حل زقا فاندفق لانه متعد بحله و لان الغالب خروج المائع من الزق المفتوح و ليس الغالب سراية هذا الفعل المعتاد إلى تلف مال غيره و ان كان ذلك بتفريط منه بأن اجج نارا تسري في العادة لكثرتها أو في ريح شديدة تحملها أو فتح ماء كثيرا يتعدى أو فتح الماء في أرض غيره أو أو قد في دار غيره ضمن ما تلف به و ان سرى إلى الدار التي أو قد فيها و الارض التي الماء فيها لانها سراية عدوان أشبهت سراية الجرح الذي تعدى به ، و ان أوقد نارا فايبست أغصان شجرة غيره ضمنها لان ذلك لا يكون الا من نار كثيرة الا أن تكون الاغصان في هوائه فلا يضمنها لان دخولها عليه مستحق فلا يمنع من التصرف في داره لحرمتها و هذا الفصل مذهب الشافعي كما ذكرنا سواء ( فصل ) و ان ألقت الريح إلى داره ثوب غيره لزمه حفظه لانه أمانة حصلت تحت يده فلزمه
(454)
حفظه كاللقطة و ان لم يعرف صاحبه فهو لقطة تثبت فيه أحكامها و ان عرف صاحبه لزمه اعلامه فان لم يفعل ضمنه لانه أمسك مال غيره بغير اذنه من تعريف فصار كالغاصب ، و ان سقط طائر في داره لم يلزمه حفظه و لا إعلام صاحبه لانه محفوظ بنفسه و ان دخل برجه فاغلق عليه الباب ناويا إمساكه لنفسه ضمنه لانه أمسك مال غيره لنفسه فهو كالغاصب و الا فلا ضمان عليه لانه يتصرف في برجه كيف شاء فلا يضمن مال غيره بتلفه ضمنا لتصرفه الذي لم يتعد فيه