منه و تحريم مطالبته به و الاقرار به يقتضي ثبوته و القضاء يقتضي رفعه و هذان ضدان لا يتصور اجتماعهما في زمن واحد بخلاف ما إذا قال كان له علي و قضيته فانه أخبر بهما في زمانين و يمكن أن يرتفع ما كان ثابتا و يقضى ما كان دينا و إذا لم يصح هذا في الجميع لم يصح في البعض لاستحالة بقاء ألف عليه و قد قضى بعضه ، و يفارق الاستثناء فان الاستثناء مع المستثنى منه عبارة عن الباقي من المستثنى منه فقول الله تعالى ( فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما ) عبارة عن تسعمائة و خمسين أما القضاء فانما يرفع جزءا كان ثابتا فإذا ارتفع بالقضاء لا يجوز التعبير عنه بما يدل على البقاء و ان وصل إقراره بما يسقطه فقال له علي ألف من ثمن خمر أو خنزير أو من ثمن طعام اشتريته فهلك قبل قبضه أو ثمن مبيع فاسد لم أقبضه أو تكفلت به على أني بالخيار لزمه الالف و لم يقبل قوله في إسقاطه ذكره أبو الخطاب و هو قول أبي حنيفة واحد قولي الشافعي ، و ذكر القاضي أنه إذا قال له علي ألف زيوف ففسره برصاص أو نحاس لم يقبل لانه رفع كل ما اعترف به و قال في سائر الصور التي ذكرناها يقبل قوله لانه عزا إقراره إلى سببه فقبل كما لو عزاه إلى سبب صحيح و لنا أن هذا يناقض ما أقر به فلم يقبل كالصورة التي سلمها و كما لو قال له علي ألف لا يلزمني أو يقول دفع جميع ما أقر به فلم يقبل كاستثناء الكل و غير خاف تناقض كلامه فان ثبوت ألف عليه في هذه المواضع لا يتصور و إقراره اخبار بثبوته فيتنافيان و ان سلم ثبوت الالف عليه هوما قلناه
(288)
( فصل ) و لا يقبل رجوع المقر عن إقراره الا فيما كان حد الله تعالى يدرأ بالشبهات و يحطاط لا سقاطه فأما حقوق الآدميين و حقوق الله تعالى التي لا تدرأ بالشبهات كالزكاة و الكفارات فلا يقبل رجوعه عنها و لا نعلم في هذا خلافا فإذا قال هذه الدار لزيد لابل لعمرو أو ادعى زيد على ميت شيئا معينا من تركته فصدقه ابنه ثم ادعاه عمرو فصدقه حكم به لزيد و وجبت عليه غرامته لعمرو و هذا ظاهر أحد قولي الشافعي و قال في الآخر لا يغرم لعمرو شيئا و هو قول أبي حنيفة لانه أقر له بما عليه الاقرار به و إما منعه الحكم من قبوله و ذلك لا يوجب الضمان و لنا أنه حال بين عمرو و بين ملكه الذي اقر له به بإقراره لغيره فلزمه غرمه كما لو شهد رجلان على آخر بإعتاق عبده ثم رجعا عن الشهادة أو كما لو رمى به في البحر ثم أقر به ، و ان قال غصبت هذه الدار من زيد لابل من عمر أو غصبتها من زيد و غصبها زيد من عمرو حكم بها لزيد و لزمه تسليمها اليه و يغرمها لعمرو و بهذا قال أبو حنيفة و هو ظاهر مذهب الشافعي ، و قال في الآخر لا يضمن لما تقدم و لنا أنه اقر بالغصب الموجب للضمان و الرد إلى المغصوب منه ثم لم يرد ما أقر بغصبه فلزمه ضمانه كما لو تلف بفعل الله تعالى قال أحمد في رواية ابن منصور في رجل قال لرجل استودعتك هذا الثوب قال صدقت ثم قال استودعنيه رجل آخر فالثوب للاول و يغرم قيمته للآخر و لا فرق في هذا الفصل بين أن يكون إقراره بكلام متصل أو منفصل
(289)
( فصل ) فان قال غصبت هذه الدار من زيد و ملكها لعمرو لزمه دفعها إلى زيد لا قراره له بأنها كانت في يده و هذا يقتضي كونها في يده بحق و ملكها لعمرو لا ينافي ذلك لانها يجوز ان تكون في يد زيد بإجارة أو عارية أو وصية و لا يغرم لعمرو شيئا لانه لم يكن منه تفريط ، و فارق هذا ما إذا قال هذه الدار لزيد بل لعمرو لانه أقر للثاني بما اقربه للاول فكان الثاني رجوعا عن الاول لتعارضهما و ههنا لا تعارض بين اقراريه و ان قال ملكها لعمرو و غصبها من زيد فكذلك لا فرق بين التقديم و التأخير و المتصل و المنفصل ذكره القاضي و قيل يلزمه دفعها إلى عمرو و يغرمها لزيد لانه لما اقربها لعمرو أولا لم يقبل إقراره باليد لزيد و هذا وجه حسن و لاصحاب الشافعي وجهان كهذين ، و لو قال هذا الالف دفعه الي زيد و هو لعمرو أو قال هو لعمرو دفعه الي زيد فكذلك على ما مضى من القول فيه ( فصل ) و ان قال غصبتها من أحدهما أو هي لاحدهما صح الاقرار لانه يصح بالمجهول فيصح للمجهول و يطالب بالبيان فان عين أحدهما دفعت اليه و يحلف للآخر إن ادعاها و لا يغرم له شيئا لانه لم يقر له بشيء ، و ان قال لا اعرفه عينا فصدقاه نزعت من يده و كانا خصمين فيها و ان كذباه فعليه اليمين أنه لا يعلم و تنزع من يده فان كان لا حدهما بينة حكم له بها و ان لم تكن له بينة أقر عنا بينهما فمن قرع صاحبه حلف و سلمت اليه و ان بين الغاصب بعد ذلك مالكها قبل منه كما لو بينه ابتداء و يحتمل أنه إذا ادعى كل واحد منهما أنه المغصوب منه توجهت عليه اليمين لكل واحد منهما أنه لم يغصبه فان حلف
(290)
لاحدهما لزمه دفعها إلى الآخر لان ذلك يجري مجرى تعيينه و ان نكل عن اليمين لهما جميعا فسلمت إلى أحدهما بقرعة أو غيرها لزمه غرمها للآخر لانه نكل عن يمين توجهت عليه فقضي عليه كما لو ادعاها وحده ( فصل ) فان كان في يده عبدان فقال أحد هذين لزيد طولب بالبيان فان عين أحدهما فصدقه زيد اخذه ، و ان قال هذا لي و العبد الآخر فعليه اليمين في العبد الذي ينكره و ان قال زيد انما لي العبد الاخر فالقول قول المقر مع يمينه في العبد الذي ينكره و لا يدفع إلى زيد العبد المقر به لكن يقر في يد المقر لانه لم يصح إقراره به في احد الوجهين و في الاخر ينزع من يده لاعترافه بانه لا يملكه و يكون في بيت المال لانه لا مالك له معروف فأشبه ميراث من لا يعرف وارثه فان ابى التعيين فعينه المقر له و قال هذا عبدي طولب بالجواب فان أنكر حلف و كان بمنزلة تعيينه للآخر و ان نكل عن اليمين يقضى عليه و ان اقر له فهو كتعيينه ( فصل ) و لو أقر لرجل بعبد ثم جاءه به فقال : هذا الذي أقررت به فقال ليس هو هذا إنما هو آخر فعلى المقر اليمين انه ليس له عنده سواه و لا يلزمه تسليم هذا إلى المقر له لانه لا يدعيه و إن قال : هذا لي ولي عندك آخر سلم اليه هذا و حلف له على نفي الآخر و كل من أقر لرجل بملك فكذبه بطل قراره لانه لا يثبت للانسان ملك لا يعترف به و في المال وجهان ( أحدهما ) يترك في يد المقر لانه كان محكوما له به فإذا بطل إقراره بقي على ما كان عليه ( و الثاني ) يؤخذ إلى بيت المال لانه
(291)
لم يثبت له مالك و قيل يؤخذ فيحفظ حتى يظهر مالكه لانه لا يدعيه أحد و مذهب الشافعي مثل هذا ، فان عاد أحدهما فكذب نفسه دفع اليه لانه يدعيه و لا منازع له فيه ، و ان كذب كل واحد منهما نفسه فرجع المقر عن إقراره و ادعاه المقر له فان كان باقيا في يد المقر فالقول قوله يمينه كما لو لم يقر به لغيره ( 1 ) و ان كان معدوما بتلف أو اباق و نحوه بغير تعد من أحدهما فلا شيء فيه من يمين و لا غيرها و إن كان بتعد من أحدهما فالقول فيه قول المقر مع يمينه كما لو كان باقيا فإذا حلف سقط عنه الضمان إن كان تلفه بتعديه و وجب له الضمان على الآخر إن كان تلفه بتعد منه و الله أعلم ( مسألة ) قال ( و من أقر بعشرة دراهم ثم سكت سكوتا يمكنه الكلام فيه ثم قال زيوفا أو صغارا أو إلى شهر كانت عشرة جيادا وافية حالة ) و جملته أن من اقر بدراهم و أطلق اقتضى إقراره الدراهم الوافية و هي دراهم الاسلام كل عشرة منها وزن سبعة مثاقيل و كل درهم ستة دوانق و اقتضى أن تكون جيادا حالة كما لو باعه بعشرة دراهم و أطلق فانها تلزمه كذلك ، فإذا سكت سكوتا يمكنه الكلام فيه أو أخذ في كلام غير ما كان فيه استقرت عليه كذلك ، فان عاد فقال زيوفا - يعنى رديئة - أو صغارا و هي الدراهم الناقصة مثل دراهم طبرية كان 1 - من هنا إلى آخر الفصل زيادة من بعض النسخ
(292)
كل درهم منها أربعة دوانيق و ذلك ثلثا درهم ، أوالى شهر يعني مؤجلة لم يقبل منه لانه يرجع عن بعض ما أقر به و يرفعه بكلام منفصل فلم يقبل كالا ستثناء المنفصل و هذا مذهب الشافعي و لا فرق بين الاقرار بها دينا أو وديعة أو غصبا ، و قال أبو حنيفة يقبل قوله في الغصب و الوديعة لانه أقر بفعل في عين ، و ذلك لا يقتضي سلامتها فأشبه ما لو أقر بغصب عبد ثم جاء به معيبا و لنا أن إطلاق الاسم يقتضي الوازنة الجياد فلم يقبل تفسيره بما يخالف ذلك كالدين و يفارق العبد فان العيب لا يمنع إطلاق اسم العبد عليه فاما إن وصفها بذلك بكلام متصل أو سكت للتنفس أو اعترضته سلعة أو نحو ذلك ثم وصفها بذلك أو شيء منه قبل منه و ذكر أبو الخطاب أنه يحتمل أن لا يقبل منه التأجيل و هو قول أبي حنيفة و بعض أصحاب الشافعي لان التأجيل يمنع استيفاء الحق فلم يقبل كما لو قال : له علي دراهم قضيته إياها و قال بعض أصحاب الشافعي لا يقبل تفسيره بالناقصة و قال القاضي إن قال : له علي عشرة دراهم ناقصة قبل قوله و إن قال صغارا و للناس دراهم صغار قبل قوله أيضا و ان لم تكن لهم دراهم صغار لزمه وازنة كما لو قال دريهم لزمه درهم وازن و هذا قول ابن القاص من أصحاب الشافعي .و لنا أنه فسر كلامه بما يحتمله بكلام متصل فقبل منه كاستثناء البعض و ذلك لان الدراهم يعبر بها عن الوازنة و الناقصة و الزيوف و الجيدة و كونها عليه يحتمل الحلول و التأجيل فإذا وصفها بذلك تقيدت
(293)
به كما لو وصف الثمن به فقال : بعتك بعشرة دراهم مؤجلة ناقصة و ثبوتها على هذه الصفة حالة الاطلاق لا يمنع من صحة تقييدها به كالثمن و قولهم ان التأجيل يمنع استيفاءها ليس بصحيح و إنما يؤخره فأشبه الثمن المؤجل يحققه ان الدراهم تثبت في الذمة على هذه الصفات فإذا كانت ثابتة بهذه الصفة لم تقتضي الشريعة المطهرة سد باب الاقرار بها على صفتها ، و على ما ذكروه لا سبيل له إلى الاقرار بها إلا على وجه يؤاخذ بغير ما هو واجب عليه فيفسد باب الاقرار ، و قول من قال ان قوله صغارا ينصرف إلى المقدار لا يصح لان مساحة الدراهم لا تعتبر في الشرع و لا تثبت في الذمة بمساحة مقدرة و إنما يعتبر الصغر و الكبر في الوزن فيرجع إلى تفسير المقر ، فاما ان قال زيوفا و فسرها بمغشوشة أو معيبة عيبا ينقصها قبل تفسيره و ان فسرها بنحاس أو رصاص أو ما لا قيمة له لم يقبل لان تلك ليست دراهم على الحقيقة فيكون تفسيره به رجوعا عما أقر به فلم يقبل كاستثناء الكل ( فصل ) و إن أقر بدراهم و أطلق في بلد أوزانهم ناقصة كطبرية كان درهمهم أربعة دوانيق و خوارزم كان درهمهم أربعة دوانيق و نصفها و مكة درهمهم ناقص و كذلك المغرب ، أو في بلد دراهمهم مغشوشة كمصر و الموصل ففيه وجهان ( أولهما ) يلزمه من دراهم البلد و دنانيره لان مطلق كلامهم يحمل على عرف بلدهم كما في البيع و الاثمان ( و الثاني ) تلزمه الوازنة الخالصة من الغش لان إطلاق الدراهم في الشرع ينصرف إليها بدليل ان بها تقدير نصب الزكاة و مقادير الديات فكذلك إطلاق الشخص ، و فارق البيع فانه إيجاب