آصع تمرا برنيا الا ثلاثة تمرا معقليا لم يجز لما ذكرناه من الفصل الاول و يخالف العين و الورق لان قيمة أحد النوعين معلومة من الآخر و لا يعبر بأحدهما عن الآخر و يحتمل على قول الخرقي جوازه لتقارب المقاصد من النوعين فهما كالعين و الورق و الاول أصح لان العلة الصحيحة في العين و الورق ذلك ( فصل ) فأما استثناء بعض ما دخل في المستثنى منه فجائز بغير خلاف علمناه فان ذلك في كلام العرب و قد جاء في الكتاب و السنة قال الله تعالى ( فلبث فيهم ألف سنه الا خمسين عاما ) و قال ( فسجد الملائكة كلهم أجمعون الا إبليس ) و قال النبي صلى الله عليه و سلم في الشهيد ( يكفر عنه خطاياه كلها الا الدين ) و هذا في الكتاب و السنة كثير و في سائر كلام العرب ، فإذا أقر بشيء و استثنى منه كان مقرا بالباقي بعد الاستثناء ، فإذا قال له علي مائة الا عشرة كان مقرا بتسعين لان الاستثناء يمنع أن يدخل في اللفظ ما لولاه لدخل فانه لو دخل لما أمكن إخراجه و لو أقر بالعشرة المستثناة لما قبل منه إنكارها و قول الله تعالى ( فلبث فيهم ألف سنة الا خمسين عاما ) اخبار بتسعمائة و خمسين فالاستثناء بين أن الخمسين المستثناة مرادة كما ان التخصيص يبين أن المخصوص مراد باللفظ العام و ان قال إلا ثلثها أو ربعها صح ، و كان مقرا بالباقي بعد المستثنى ، و ان قال هذه الدار لزيد إلا هذا البيت كان مقرا بما سوى البيت منها و كذلك إن قال هذه الدار له و هذا البيت لي صح أيضا لانه في معنى الاستثناء لكونه أخرج بعض ما دخل في اللفظ الاول بكلام متصل ، و ان قال له هؤلاء العبيد إلا هذا صح و كان مقرا بمن سواه منهم و ان قال إلا واحدا صح لان الاقرار يصح مجهولا فكذلك الاستثناء منه و يرجع في تعيين المستثنى اليه لان الحكم يتعلق بقوله و هو أعلم بمراده به ، و ان عين من عدا المستثنى
(281)
صح و كان الباقي له فان هلك العبيد إلا واحدا فذكر انه المستثنى قبل ذكره القاضي و هو أحد الوجهين لاصحاب الشافعي و قال أبو الخطاب لا يقبل في أحد الوجهين و هو الوجه الثاني لاصحاب الشافعي لانه يرفع به الاقرار كله و الصحيح أنه يقبل لانه يقبل تفسيره به في حياتهم لمعنى هو موجود بعد موتهم فقبل كحالة حياتهم و ليس هذا رفعا للاقرار و إنما تعذر تسليم المقر به لتلفه لا لمعنى يرجع إلى التفسير فأشبه ما لو عينه في حياتهم فتلف بعد تعيينه ، و ان قتل الجميع الا واحدا قبل تفسيره بالباقي وجها واحدا و ان قتل الجميع فله قيمة أحدهم و يرجع في التفسير ، اليه و ان قال غصبتك هؤلاء العبيد الا واحدا فهلكوا الا واحدا قبل تفسيره به وجها واحدا لان المقر له يستحق قيمة الهاليكن فلا يفضي التفسير بالباقي إلى سقوط الاقرار بخلاف التي قبلها .( فصل ) و حكم الاستثناء بسائر ادواته حكم الاستثناء بالا ، فإذا قال له : علي عشرة سوى درهم ، أو ليس درهما أو خلا درهما أو عدا درهما أو ماخلا أو ما عدا درهما أو لا يكون درهما أو درهم بفتح الراء كان مقرا بتسعة و ان قال : درهم ، بضم رائها و هو من أهل العربية كان مقرا بعشرة لانها تكون صفة للعشرة المقر بها و لا يكون استثناء فانها لو كانت استثناء كانت منصوبة و ان لم يكن من أهل العربية لزمه تسعة لان الظاهر انه انما يريد الاستثناء لكنه رفعها جهلا منه بالعربية لا قصدا للصفة .
(282)
( فصل ) و لا يصح الاستثناء الا أن يكون متصلا بالكلام فان سكت سكوتا يمكنه الكلام فيه أو فصل بين المستثنى و المستثنى بكلام أجنبي لم يصح لانه إذا سكت أو عدل عن إقراره إلى شيء آخر استقر حكم ما أقر به فلم يرتفع بخلاف ما إذا كان في كلامه فانه لا يثبت حكمه و ينتظر ما يتم به كلامه و يتعلق به حكم الاستثناء و الشرط و العطف و البدل و نحوه .( فصل ) و لا يصح استثناء الكل بغير خلاف لان الاستثناء رفع بعض ما تناوله اللفظ و استثناء الكل رفع الكل فلو صح صار الكلام كله لغوا مفيد فان قال له : علي درهم و درهم الا درهما ، أو ثلاثة دراهم و درهمان الا درهمين أو ثلاثة و نصف الا نصفا أو الا درهما أو خمسة و تسعون الا خمسة ، لم يصح الاستثناء ، و لزمه جميع ما أقر به قبل الاستثناء ، و هذا قول الشافعي و هو الذي يقتضيه مذهب أبي حنيفة ، و فيه وجه آخر انه يصح لان الواو العاطفة تجمع بين العددين و تجعل الجملتين كالجملة الواحدة و من أصلنا ان الاستثناء إذا تعقب جملا معطوفا بعضها على بعض بالواو عاد إلى جميعها كقولنا في قول الله تعالى ( و لا تقبلوا ؟ ؟ لهم شهادة أبدا و أولئك هم الفاسقون الا الذين تابوا ) ان الاستثناء عاد إلى الجملتين فإذا تاب القاذف قبلت شهادته و من ذلك قول النبي صلى الله عليه و سلم ( لا يؤمن الرجل الرجل في سلطانه و لا يجلس على تكرمته الا باذنه ) و الوجه الاول أولى لان الواو لم تخرج الكلام من أن يكون جملتين و الاستثناء يرفع احداهما جميعها و لا نظير لهذا في كلامهم و لان صحة الاستثناء تجعل احدى
(283)
الجملتين مع الاستثناء لغوا لانه أثبت شيئا بلفظ مفرد ثم رفعه كله فلا يصح كما لو استثنى منها و هي معطوفة على بعضها فاما الآية و الخبر فان الاستثناء لم يرفع احدى الجملتين انما أخرج من الجملتين معا من اتصف بصفة فنظيره ما لو قال للبواب : من جاء يستأذن فائذن له و أعطه درهما الا فلانا ، و نظير مسئلتنا ما لو قال : أكرم زيدا و عمرا الا عمرا ، و ان قال له : علي درهمان ثلاثة الا درهمين ، لم يصح أيضا لانه يرفع الجملة الاولى كلها فأشبه ما لو قال اكرم زيدا و عمرا الا زيدا ، و ان قال له : علي ثلاثة و ثلاثة الا درهمين خرج فيها وجهان لانه استثنى أكثر الجملة التي تليه و استثناء الاكثر فاسد كاستثناء الكل ( فصل ) و ان استثنى استثناء بعد استثناء و عطف الثاني على الاول كان مضافا اليه فإذا قال : له علي عشرة الا ثلاثة و الا درهمين كان مستثنيا لخمسة مبقيا لخمسة ، و ان كان الثاني معطوف على الاول كان استثناء من الاستثناء و هو جائز في اللغة ، قد جاء في كلام الله تعالى في قوله ( قالوا انا أرسلنا إلى قوم مجرمين الا آل لوط انا لمنجوهم أجميعن الا إمرأته قدرنا انها لمن الغابرين ) فإذا كان صدر الكلام إثباتا كان الاستثناء الاول نفيا و الثاني إثباتا فان استثنى استثناء ثالثا كان نفيا يعود كل استثناء إلى ما يليه من الكلام فإذا قال : له عشرة الا ثلاثة الا درهما كان مقرا بثمانية لانه أثبت عشرة ثم نفى منها ثلاثة ثم أثبت درهما و بقي من الثلاثة المنفية درهمان مستثنيان من العشرة فيبقى منها ثمانية و سنزيد لهذا الفصل فروعا في مسألة استثناء الاكثر .
(284)
( فصل ) إذا قال : له هذه الدار هبة أو سكنى أو عارية كان إقرارا بما ابدل به كلامه و لم يكن اقرارا بالدار لانه رفع بآخر كلامه بعض ما دخل في أوله فصح كما لو أقر بجملة و استثنى بعضها ، و ذكر القاضي في هذا وجها أنه لا يصح لانه استثناء من الجنس و ليس هذا استثناء إنما هذا بدل و هو سائغ في اللغة .و يسمى هذا النوع من البدل بدل الاشتمال و هو أن يبدل من الشيء بعض ما يشتمل عليه ذلك الشيء كقوله ( يسئلونك عن الشهر الحرام قتال فيه ) فأبدل القتال من الشهر المشتمل عليه و قال تعالى إخبارا عن موسى عليه السلام أنه قال ( و ما إنسانية إلا الشيطان أن أذكره ) أي أنساني ذكره ، و إن قال له هذه الدار ثلثها أو قال ربعها صح و يكون مقرا بالجزء الذي أبدله و هذا بدل البعض و ليس ذلك باستثناء ، و مثله قوله تعالى ( قم الليل إلا قليلا نصفه ) و قوله ( و لله على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا ) و لكنه في معنى الاستثناء في كونه يخرج من الكلام بعض ما يدخل فيه لولاه و يفارقه في أنه يجوز أن يخرج أكثر من النصف و أنه يجوز إبدال الشيء من غيره إذا كان مشتملا عليه ألا ترى أن الله تعالى أبدل المستطيع للحج من الناس و هو أقل من نصفهم و أبدل القتال من الشهر الحرام و هو غيره ؟ و متى قال له هذه الدار سكنى أو عارية ثبت فيها حكم ذلك و له ان لا يسكنه إياها و أن يعود فيما أعاره
(285)
( مسألة ) قال ( و من ادعي عليه شيء و قال قد كان له علي و قضيته لم يكن ذلك اقرارا ) حكى ابن أبى موسى أن في المسألة روايتين ( احداهما ) أن هذا ليس بإقرار اختاره القاضي و قال لم أجد عن أحمد رواية بغير هذا ( و الثانية ) أنه مقر بالحق مدع لقضائه فعليه البينة بالقضاء و الا حلف غريمه و أخذ و اختاره أبو الخطاب و هو قول أبي حنيفة لانه أقر بالدين و ادعى القضاء فلم تقبل دعواه كما لو ادعى القضاء بكلام منفصل و لانه رفع جميع ما أثبته فلم يقبل كاستثناء الكل و للشافعي قولان كالمذهبين ، و وجه قول الخرقي أنه قول متصل يمكن صحته و لا تناقض فيه فوجب ان يقبل كاستثناء البعض ، و فارق المنفصل لان حكم الاول قد استقر بسكوته عليه فلا يمكن رفعه بعد استقراره و لذلك لا يرفع بعضه باستثناء و لا غيره فما يأتي بعده من دعوى القضاء يكون دعوى مجردة لا تقبل الا ببينة و اما استثناء الكل فمتناقض لانه لا يمكن ان يكون عليه ألف و ليس عليه شيء ( فصل ) و ان قال له علي مائة و قضيته منها خمسين فالكلام فيها كالكلام فيما إذا قال و قضيتها و إن قال له إنسان لي عليك مائة فقال قضيتك منها خمسين فقال القاضي لا يكون مقرا بشيء لان الخمسين التي ذكر انه قضاها في كلامه ما تمنع بقاءها و هو دعوى القضاء و باقي المائة لم يذكرها و قوله منها يحتمل ان يريد بها مما
(286)
يدعيه و يحتمل مما علي فلا يثبت عليه شيء بكلام محتمل ، و يجئ على قول من قال بالرواية الاخرى ان يلزمه الخمسون التي ادعى قضاءها لان في ضمن دعوى القضاء اقرارا بانها كانت عليه فلا تقبل دعوى القضاء بغير بينة ( فصل ) و إن قال كان له علي ألف و سكت لزمه الالف في ظاهر كلام اصحابنا و هو قول ابي حنيفة واحد قولي الشافعي و قال في الآخر لا يلزمه شيء و ليس هذا بإقرار لانه لم يذكر عليه شيئا في الحال إنما أخبر بذلك فجاز في ماض فلا يثبت في الحال و لذلك لو شهدت البينة به لم يثبت ، و لنا أنه أقر بالوجوب و لم يذكر ما يرفعه فبقي على ما كان عليه و لهذا لو تنازعا دارا فأقر أحدهما للآخر أنها كانت ملكه حكم بها له إلا أنه ههنا إن عاد فادعى القضاء أو الابراء سمعت دعواه لانه لا تنافي بين إقراره و بين ما يدعيه ( فصل ) و إن قال له علي ألف قضيته إياها لزمه الالف و لم تقبل دعوى القضاء و قال القاضي تقبل لانه رفع ما أثبته بدعوى القضاء متصلا فأشبه ما لو قال كان له علي و قضيته ، و قال ابن أبي موسى ان قال قضيت جميعه لم يقبل إلا ببينة و لزمه ما أقربه و له اليمين على المقر له و لو قال قضيت بعضه قبل منه في إحدى الروايتين لانه رفع بعض ما أقربه بكلام متصل فأشبه ما لو استثناه بخلاف ما إذا قال قضيت جميعه لكونه رفع جميع ما هو ثابت فأشبه استثناء الكل .و لنا أن هذا قول متناقض إذا لا يمكن أن يكون عليه ألف قد قضاه فان كونه عليه يقتضي بقاءه في ذمته و استحقاق مطالبته به و قضاؤه يقتضي براءة ذمته