( فصل ) و ان غصب دنانير أو دراهم من رجل و خلطها بمثلها لآخر فلم يتميزا صارا شريكين و قال أبو حنيفة يملكها الغاصب و عليه غرامة مثلها لهما و ان خلطها بمثلها من ماله ملكها لانه تعذر تسليمها بعينها فأشبه ما لو تلفت .و لنا أنه فعل في المغصوب على وجه التعدي لم يذهب بماليته فلم يزل ملك صاحبه عنه كذبح الشاة ( فصل ) و ان غصب عبدا فصاد صيدا أو كسب شيئا فهو لسيده و إن غصب جارحا كالفهد و البازي فصاد به فالصيد لمالكه لانه من كسب ماله فأشبه صيد العبد و يحتمل أنه للغاصب لانه الصائد و الجارحة آلة له و لهذا يكتفى بتسميته عند إرساله الجارح ، و ان غصب قوسا أو سهما أو شبكة فصاد به ففيه وجهان ( أحدهما ) أنه لصاحب القوس و السهم و الشبكة لانه حاصل به فأشبه نماء ملكه و كسب عبده ( و الثاني ) للغاصب لان الصيد حصل بفعله و هذه آلات فأشبه ما لو ذبح بسكين غيره فان قلنا هو للغاصب فعليه أجر ذلك كله مدة مقامه في يديه إن كان له أجر و إن قلنا هو للمالك لم يكن له أجر في مدة اصطياده في أحد الوجهين لان الاجر في مقابلة منافعه و منافعه في هذه المدة عائدة إلى مالكه فلم يستحق عوضها على غيره كالو زرع أرض إنسان فأخذ المالك الزرع بنفقته و الثاني عليه أجر مثله لانه استوفى منافعه أشبه ما لو لم يصد شيئا
(407)
( مسألة ) قال ( و من غصب جارية فوطئها و أولدها لزمه الحد و أخذها سيدها وار لا دها و مهر مثلها ) و جملة ذلك أن الغاصب إذا وطي الجارية المغصوبة فهو زان لانها ليست زوجة له و لا ملك يمين فان كان عالما بالتحريم فعليه حد الزنا لانه لا ملك له و لا شبهة ملك ، و عليه مهر مثلها سواء كانت مكرهة أو مطاوعة و قال الشافعي لا مهر للمطاوعة لان النبي صلى الله عليه و سلم نهى عن مهر البغي .و لنا أن هذا حق للسيد فلا يسقط بمطاوعتها كما لو أذنت في قطع يدها و لانه حق يجب للسيد مع اكراهها فيجب مع مطاوعتها كأجر منافعها و الخبر محمول على الحرة ، و يجب أرش بكارتها لانه بدل جزء منها و يحتمل أن لا يجب لان مهر البكر يدخل فيه أرش البكارة و لهذا يزيد على مهر الثيب عادة لاجل ما يتضمنه من تفويت البكارة ، و ان حملت فالولد مملوك لسيدها لانه من نمائها و أجزائها و لا يلحق نسبه بالواطي لانه من زنا فان وضعته حيا وجب رده معها و ان أسقطته ميتا لم يضمن لاننا لا نعلم حياته قبل هذا ( 1 ) هذا قول القاضي و هو الظاهر من مذهب الشافعي عند أصحابه و قال القاضي أبو الحسين يجب ضمانه بقيمته لو كان حيا نص عليه الشافعي لانه يضمنه لو سقط بضربته و ما ضمن بالاتلاف ضمنه الغاصب بالتلف في يده كاجر العين و الاولى ان شاء الله تعالى أن يضمنه بعشر قيمة أمه لانه الذي يضمنه به بالجناية فيضمنه به في التلف كالاجزاء ، و ان 1 - من هنا إلى قوله و ان وضعته حيا زيادة من بعض النسخ
(408)
وضعته حياحصل مضمونا في يد الغاصب كالام فان مات بعد ذلك ضمنه بقيمته و ان نقصت الام بالولادة ضمن نقصها و لم ينجبر بالولد و بهذا قال الشافعي و قال أبو حنيفة ينجبر نقصها بولدها و لنا أن ولدها ملك للمغصوب منه فلا ينجبر به نقص حصل بجناية الغاصب كالنقص الحاصل بغير الولادة ، و ان ضرب الغاصب بطنها فألقت الجنين ميتا فعليه عشر قيمة أمه ، و ان ضرب بطنها أجنبي ففيه مثل ذلك ، و للمالك تضيمن أيهما شاء فان ضمن الغاصب رجع على الضارب و ان ضمن الضارب لم يرجع على أحد لان الاتلاف وجد منه فاستقر الضمان عليه ، و ان ماتت الجارية فعليه قيمتها أكثر ما كانت و يدخل في ذلك أرش بكارتها و نقص ولادتها ، و لا يدخل فيه ضمان ولدها و لا مهر مثلها ، و سواء في هذه الاحكام كلها حالة الاكراه أو المطاوعة لانها حقوق لسيدها فلا تسقط بمطاعتها و أما حقوق الله تعالى كالحد عليها و التعزيز في موضع يجب فان كانت مطاوعة على الوطء عالمة بالتحريم فعليها الحد إذا كانت من أهله و الاثم و الا فلا ( فصل ) و ان كان الغاصب جاهلا بتحريم ذلك لقرب عهده بالاسلام أو ناشئا ببادية بعيدة يخفى عليه مثل هذا فاعتقد حل وطئها أو اعتقد أنها جاريته فأخذها ثم تبين أنها غيرها فلا حد عليه لان الحد يدرأ بالشبهات و عليه المهر و أرش البكارة ، و ان حملت فالولد حر لاعتقاده انها ملكه و يلحقه النسب لموضع الشبهة و إن وضعته ميتا لم يضمنه لانه لم يعلم حياته و لانه لم يحل بينه و بينه و انما وجب تقويمه لا جل
(409)
الحيلولة و ان وضعته حيا فعليه قيمته يوم انفصاله لانه فوت عليه رقه باعتقاده و لا يمكن تقويمه حملا فقوم عليه أول انفصاله لانه أول حال إمكان تقويمه و لان ذلك وقت الحيلولة بينه و بين سيده ، و ان ضرب الغاصب بطنها فألقت جنينا ميتا فعليه غرة عبد أو امة قيمتها خمس من الابل موروثة عنه لا يرث الضارب منها شيئا لانه أتلف جنينا حرا و عليه للسيد عشر قيمة امه لان الاسقاط لما اعتقب الضرب فالظاهر حصوله به و ضمانه للسيد ضمان المماليك و لهذا لو وضعته حيا قومناه مملوكا ، و ان كان الضارب أجنبيا فعليه غرة دية الجنين الحر لانه محكوم بحريته و تكون مورثة عنه و على الغاصب للسيد عشر قيمة امه لانه يضمنه ضمان المماليك و قد فوت رقه على السيد و حصل التلف في يديه ، و الحكم في المهر و الارش و الاجر و نقص الولادة و قيمتها على ما مضى إذا كانا عالمين لان هذه حقوق الآدميين فلا تسقط بالجهل و الخطأ كالدية ( مسألة ) قال ( و ان كان الغاصب باعها فوطئها المشتري و أولدها و هو لا يعلم ردت الجارية إلى سيدها و مهر مثلها وفدي أولاده بمثلهم و هم أحرار ، و رجع بذلك كله على الغاصب ) و جملة ذلك أن الغاصب إذا باع الجارية فبيعه فاسد لانه يبيع مال غيره بغير اذنه ، و فيه رواية أخرى انه يصح و يقف على اجازة المالك و قد ذكرنا ذلك في البيع ، و فيه رواية ثالثة ان البيع يصح
(410)
و ينفذ لان الغصب في الظاهر تتطاول مدته فلو لم يصح تصرف الغاصب أفضي إلى الضرر بالمالك و المشتري لان المالك لا يملك ثمنها و المشتري لا يملكها و التفريع على الرواية الاولى ، و الحكم في وطء المشتري كالحكم في وطء الغاصب الا أن المشتري إذا ادعى الجهالة قبل منه بخلاف الغاصب فانه لا يقبل منه الا بشرط ذكرناه ، و يجب رد الجارية إلى سيدها و للمالك مطالبة أيهما شاء بردها لان الغاصب أخذها بغير حق و قد قال النبي صلى الله عليه و سلم ( على اليد ما أخذت حتى تؤديه ) و للمشتري أخذ مال غيره بغير حق أيضا فيدخل في عموم الخبر و لان مال غيره في يده و هذا لا خلاف فيه بحمد الله تعالى و يلزم المشتري المهر لانه وطي جارية غيره بغير نكاح و عليه أرش البكارة و نقص الولادة و إن ولدت منه فالولد حر لاعتقاده انه يطأ مملوكته فمنع ذلك انحلاق الولد رقيقا و يلحقه نسبه و عليه فداؤهم لانه فوت رقهم على سيدهم باعتقاده حل الوطء هذا الصحيح في المذهب و عليه الاصحاب و قد نقل ابن منصور عن احمد ان المشتري لا يلزمه فداء أولاده و ليس للسيد بدلهم لانهم كانوا في حال العلوق أحرارا و لم يكن لهم قيمة حينئذ قال الحلال أحسبه قولا لابي عبد الله أول و الذي أذهب اليه أنه يفديهم و قد نقله ابن منصور أيضا و جعفر بن محمد و هو قول أبى حنيفة و الشافعي و يفديهم ببدلهم يوم الوضع و بهذا قال الشافعي و قال أبو حنيفة يجب يوم المطالبة لان ولد المغصوبة لا يضمنه عند إلا بالمنع و قبل المطالبة لم يحصل منع فلم يجب ، و قد ذكرنا فيما مضي أنه يحدث مضمونا فيقوم يوم وضعه لانه أول حال أمكن
(411)
تقويمه و اختلف أصحابنا فيما يفديهم به فنقل الخرقي ههنا أن يفديهم بمثلهم و الظاهر أنه أراد بمثلهم في السن و الصفات و الجنس و الذكورية و الانوثية و قد نص عليه احمد ، و قال أبو بكر عبد العزيز يفديهم بمثلهم في القيمة ، و عن احمد رواية ثالثة أنه يفديهم بقيمتهم و هو قول أبي حنيفة و الشافعي و هو أصح ان شاء الله تعالى لان الحيوان ليس بمثلي فيضمن بقيمته كسائر المتقومات و لانه لو أتلفه ضمنه بقيمته و قد ذكرنا وجه هذه الاقوال في هذا الموضع .و قول الخرقي رجع بذلك كله على الغاصب يعني بالمهر و ما فدى به الاولاد لان المشتري دخل على أن يسلم له الاولاد و أن يتمكن من الوطء بغير عوض فإذا لم يسلم له ذلك فقد غره البائع فرجع به عليه فاما الجارية إذا ردها لم يرجع ببدلها لانها يملك المغصوب منه رجعت اليه لكنه يرجع على الغاصب بالثمن الذي أخذه منه ، و إن كانت قد أقامت عنده مدة لمثلها أجر في تلك المدة فعليه أجرها ، و إن اغتصبها بكرا فعليه أرش بكارتها و إن نقصتها الولادة أو غيرها فعليه أرش نقصها ، و إن تلفت في يده فعليه قيمتها .و كل ضمان يجب على المشتري فللمغصوب منه ان يرجع به على من شاء منهما لان يد الغاصب سبب يد المشتري ، و ما وجب على الغاصب من أجر المدة التي كانت في يده أو نقص حدث عنده فانه يرجع به على الغاصب وحده لان ذلك كان قبل يد المشتري ، فإذا طالب المالك المشتري بما وجب في يده و أخذه منه فأراد المشتري الرجوع به على الغاصب نظرت فان كان المشتري حين الشراء علم أنها مغصوبة لم يرجع بشيء لان موجب الضمان وجد في يده
(412)
من تغرير ، و ان لم يعلم فذلك على ثلاثة أضرب : ضرب لا يرجع به و هو قيمتها إن تلفت في يده و أرش بكارتها و بدل جزء من أجزائها لانه دخل مع البائع على أنه يكون ضامنا لذلك بالثمن فإذا ضمنه لم يرجع به ، و ضرب يرجع به و هو بدل الولد إذا ولدت منه لانه دخل معه في العقد على أن لا يكون الولد مضمونا عليه و لم يحصل من جهته إتلاف و انما الشرع أتلفه بحكم بيع الغاصب منه و كذلك نقص الولادة ، و ضرب اختلف فيه و هو مهر مثلها و أجر نفعها فهل يرجع به على الغاصب ؟ فيه روايتان ( احداهما ) يرجع به و هو قول الخرقي لانه دخل في العقد على أن يتلفه بغير عوض فإذا غرم عوضه رجع به كبدل الولد و نقص الولادة و هذا أحد قولي الشافعي .( و الثانية ) لا يرجع به و هو اختيار أبي بكر و قول أبي حنيفة لانه غرم ما استوفى بدله فلا يرجع به كقيمة الجارية و بدل أجزائها و هذا القول الثاني للشافعي و ان رجع بذلك كله على الغاصب .فكل ما لو رجع به على المشتري لا يرجع به على الغاصب إذا رجع به على الغاصب رجع به الغاصب على المشتري ، و كل ما لو رجع به على المشتري رجع به المشتري على الغاصب إذا غرمه الغاصب لم يرجع به على المشتري ، و متى ردها حاملا فماتت من الوضع فانها مضمونة على الواطي لان التلف بسبب من جهته ( فصل ) و من استكره إمرأة على الزنا فعليه الحد دونها لانها معذورة و عليه مهرها حرة كانت أو أمة فان كانت حرة كان المهر لها و ان كانت امة كان لسيدها و به قال مالك و الشافعي ، و قال أبو حنيفة