القليلة التوفيق ـ أخزاهم اللّه تعالى ـ قال: ومن الواضح الذي لا أشكال فيه أنّ زيد
بن علي _ عليه السلام _ يُذكر مع المتكلمين إن ذكروا، ويُذكر مع الزهاد، ويُذكر مع
الشجعان، وأهل المعرفة بالضبط والسياسة، فكان أفضل العترة لاَنّه كان مشاركاً
لجماعتهم في جميع خصال الفضل، ومتميزاً عنهم بوجوه لم يشاركوه فيها، فمنها
اختصاصه بعلم الكلام (1)، الذي هو أجلّ العلوم، وطريق النجاة، والعلم الذي لا
ينتفع بسائر العلوم إلاّ معه، والتقدم فيه والاشتهار عند الخاص والعام. هذا أبو
عثمان عمرو بن بحر الجاحظ يصفه في صنعه الكلام ويفتخر به ويشهد له بنهاية
التقدم، وجعفر بن حرب في كتاب «الديانة» وكثير من معتزلة بغداد كمحمد بن
عبد اللّه الاِسكافي وغيره ينتسبون إليه في كتبهم، ويقولون نحن زيدية، وحسبك
في هذا الباب انتساب المعتزلة إليه، مع أنّهاتنظر إلى سائر الناس بالعين التي تنظر
بها ملائكة السماء إلى أهل الاَرض مثلاً. فلولا ظهور علمه وبراعته وتقدمه على
كل أحد في فضيلته لما انقادت إليه المعتزلة (2).
المغالاة في علمه وفقهه :
إنّ الغلو هو الخروج عن الحد، قال سبحانه: "يا أهْلَ الكِتابِ لاَ تَغْلُوا فِي
دِينِكُمْ وَلا تَقُوُُلوا على اللّهِ إلاّ الحَق" (النساء ـ 171) . وقال سبحانه: "قُلْ يا أهْلَ
الكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الحَق" (المائدة ـ 77) . وقال الاِمام علي ـ عليه
السلام ـ وهو يصف الغلوّ وخلافه يقول: الثناء بأكثر من الاستحقاق ملق، والتقصير
عن الاستحقاق عي أو حسد» (3).
(1) سيوافيك أنّه لم يوَثر من زيد، أي رأي كلامي وإنّ تتلمذه على واصل غير ثابت.
(2) السياغي: الروض النضير: 1|101، لاحظ شرح رسالة الحور العين: 185.
(3) الرضي: نهج البلاغة: قسم الحكم، برقم 347.