فقل، أمّا قولي: إنّه كلام اللّه تعالى، فلقوله تعالى: "وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ المُشْرِكِينَ
اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّه" [التوبة: 6]، المعلوم أن الكلام الذي سمعه
المشركون ليس بشيء غير هذا القرآن، ولاَنّ المعلوم ضرورة أنّ النبي _ صلى الله عليه وآله وسلم _ كان يدين ويخبر بذلك، وهو لا يدين إلاّ بالحق، ولا يخبر إلاّ
بالصدق، لاَنّ ظهور المعجز على يديه قد استأمن وقوع الخطأ فيما يدين به،
وظهور الكذب فيما يخبر به.
وأمّا قولي: إنّه مسموعٌ فذلك معلوم بالحسّ ولقوله تعالى: "إِنّا سَمِعْنَا قُرْآناً
عَجَباً" (الجن: 1) والمعلوم ضرورة أنّ ذلك المسموع هذا القرآن.
وأمّا قولي: إنّه محدَثٌ؛ فلاَنّه فعل من أفعاله تعالى، والفاعل متقدم على فعله
بالضّرورة، ومايتقدمه غيره فهو مُحدَث، ولاَنّ بعضه متقدم على بعض، وذلك
يدل على أنّه محدَث، ولقوله تعالى: "مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍج
"[الاَنبياء: 2]. والذكر هو القرآن، لقوله تعالى: "وإنّهُ لَذِكْرٌ لكَ ولِقَوْمِكَ" [الزخرف:
44]، أيْ شَرَفٌ لك ولقومك.
وأمّا قولي: إنّه مخلوقٌ؛ فلاَنّه مُرَتَّبٌ منظومٌ على مقدارٍ معلومٍ موافقٍ
للمصلحة. بهذه الصِّفةِ المنزَّلة جَازَ وَصفهُ بأنّه مخلوقٌ، ولِما رواه عمر بن
الخطاب، عن النبي _ صلى الله عليه وآله وسلم _ أنّه قال: «كان اللّه ولا شيء ثم خلق
الذكر»، والذكر هو القرآن كما تقدم.
ثم قل: وأعتقد أنّه حقّ لا باطل فيه، لقوله تعالى: "وَإِنّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ * لا يَأْتِيهِ
البَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ" [فصلت: 41 و 42].
ثم قل: وأعتقد أنّه لا تناقض فيه ولا تعارض ولا اختلاف، "وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ
غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُوْا فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثيراً" [النساء: 82].
(الاِمامة)
فصل [في إمامة الاِمام علي _ عليه السلام _ ]
فإن قيل: من أوّلُ الاَئمة بعد رسول اللّه _ صلى الله عليه وآله وسلم _، وأولى
الاَُمّة بالخلافة بعده بلا فصل؟
فقل: ذلك أمير الموَمنين وسيد الوصيين علي بن أبي طالب.
فإن قيل: هذه دعوى، فما برهانك؟
فقل: الكتاب، والسنّة، وإجماع العترة.
أمّا الكتاب، فقوله تعالى: "إِنّما وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالّذِينَ آمَنُوا الّذِينَ
يُقِيْمُونَ الصَّلاةَ وَيُوَْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ" [المائده: 55]، ولم يوَتِ الزكاةَ في
حالِ ركوعه غيرُ علي _ عليه السلام _، وذلك أنّ سائلاً سأل على عهد رسول اللّه
_ صلى الله عليه وآله وسلم _ في حال ركوع عليٍ في الصلاة، وذلك في مسجد النبي
_ صلى الله عليه وآله وسلم _، فلم يعطه أحدٌ شيئاً، فأشار إليه _ عليه السلام _ بخاتمه
وهو راكع ونواه زكاة، فأخذه السائلُ، فنزل جبريل _ عليه السلام _ بهذه الآية على
رسول اللّه _ صلى الله عليه وآله وسلم _ في الحال، فكانت في علي _ عليه السلام _
خاصة دون غيره من الاَُمّة. وهي تفيد معنى الاِمامة لاَنّ الوليّ هو: المالك
للتصرّف، كما يقال هنا: ولي المرأة، وولي اليتيم، أي المالك للتصرف عليهما.
وأمّا السنّة، فخبر الغدير، وهو قوله _ صلى الله عليه وآله وسلم _: «ألست أولى
بكم من أنفسكم؟ قالوا: بلى يا رسول اللّه. قال: فمن كنت مولاه فعليّ مولاه، اللّهمّ
والِ مَنْ والاه وعادِ مَنْ عاداه، وانصر مَنْ نصره، واخذل مَنْ خَذَلَهُ»، فقال له عمر:
بخ بخ لك يا ابن أبي طالب، أصبحت مولاي ومولى كل موَمن وموَمنة.
وروينا عن الموَيد باللّه بإسناده إلى الصادق جعفر بن محمد الباقر أنّه سُئِلَ