كان معه إله ثان لوجب أن يشاركه في صفات الكمال على الحد الذي اختصّ بها،
ولو كان كذلك لكان على ما قدر قادراً، ولو كان كذلك لجاز عليهما التشاجر
والتنازع، ولصح بينهما التعارض والتمانع، ولو قدّرنا هذا الجائز لاَدى إلى اجتماع
الضدين من الاَفعال، أو عجز القديم عن المراد، وكل ذلك محال، تعالى عنه ذو
الجلال؛ لقوله: "لَوْ كَان فِيهِمَا آلِهَةٌ إلاّ اللّه لَفَسَدَتا" (الاَنبياء: 22) ، ولقوله عزّ قائلاً:
"أَم جَعَلُوا للّه شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيءٍ
وَهُوَ الوَاحِدُ القَهَّارُ" [الرعد: 16] فتبين أنّ الخلق يشهد بإله واحد، وأنّه ليس هناك
خلق ثانٍ يشهد بإله ثان، وهذا واضح؛ فإنّ هذا العالم دليلٌ على إله واحد وهو الذي
أرسل الرسل، وأوضح السبُل.
ويَدُل على ذلك قوله عزّ وجلّ: "فَاعْلَمْ أَنّهُ لا إِلهَ إلاّ اللّه" [محمد: 19]،
وقوله: "شَهِدَ اللّه أَنّهُ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ وَالمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُوْا العِلْمِ قَائِماً بِالقِسْطِ" [آل
عمران: 18]، وقوله: "وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌج "البقرة: 163]، وقوله: "قُلْ هُوَ اللّه أَحَدٌ"
[الصمد: 1].
(العدل)
[فصل في أنّ اللّه تعالى عدل حكيم]
فإن قيل: أربّك عدل حكيم؟
فقل: أجل، فإنّه لا يفعل القبح ولا يُخِلُّ بالواجب من جهة الحكمة، وأفعاله
كلّها حسنة.
وإنّما قلنا: إنّه لا يفعل القبيح لاَنّه إنّما يقع ممن جهلَ قُبْحَه، أو دعته حاجة
إلى فِعْلِه وإن عَلِمَ قبحَه، وهو تعالى عالم بقبح القبائح؛ لاَنّها من جملة المعلومات