ولو شاء لفعل كما قال عزّ وجلّ: "وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَنْ فِي الاََرْضِ جَمِيعاً"
[يونس: 99ج يريد به مشيئة الاِجبار لا مشيئة الاختيار، لاَنّه لو أكرههم لم يكونوا
مكلّفين، ولَبَطل الغرض ببعثة المرسلين.
فصل [في أنّ اللّه لا يعذب أحداً إلاّ بذنبه]
فإن قيل: ربّك يعذب أحداً بغير ذنبه؟
فقل: لا يعذب أحداً إلاّ بذنبه؛ لاَنّ عقاب من لا ذنب له ظلم، والظلم قبيح،
وهو تعالى لا يفعل القبيح، وقد قال تعالى: "وَلاَتَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخرى" [الاَنعام:
164].
فصل [في أنّ اللّه لا يقضي إلاّ بالحق] (1)
فإن قيل: أربك يقضي بغير الحق؟
فقل: كلاّ، بل لا يقضي بالكفر والفساد، لما في ذلك من مخالفة الحكمة
والسداد، لقوله تعالى: "وَاللّهُ يَقْضِي بِالحقِّ" [غافر: 20]، فلا يجوز القول بأنّ
المعاصي بقضاء اللّه تعالى وقَدَره بمعنى الخلق والاَمر، لاَنّها باطلٌ، ولاَنّ إجماع
المسلمين منعقدٌ على أنّ الرضى بالمعاصي لايجوز، وإجماعهم منعقد على أنّ
الرضا بقضاء اللّه واجب، ولا مخلص إذاً من ذلك إلاّ بالقول بأنّ المعاصي ليست
(1) العنوان حسن جداً، لكن إخراج المعاصي عن مجال قضائه وإرادته سبحانه يستلزم التفويض
الممقوت، فالحق أنّ كل ما يوجد في الكون من حسن وجميل، وإيمان وكفر، وطاعة وعصيان،
ليس خارجاً عن قضائه وعلمه وإرادته لكن على وجه لا يستلزم الجبر ولا يسلب الاختيار.
والتفصيل يطلب من محله.