ويغتم بإدراك ما ينفر عنه ويتضرر به، وينقص بتناوله. وقد ثبت أنّه تعالى ليس
بجسم، بل هو خالق الجسم، فكيف يخلق مثل ذاته، أو تشاركه الاَجسام في
صفاته؟! بل لا يجوز عليه شيء من ذلك.
فصل [في أنّ اللّه لا يُرى بالاَبصار]
فإن قيل: أربك يرى بالاَبصار، أم لا يرى؟
فقل: هذه مقالة باطلة عند أُولي الاَبصار، لاَنّه لو رئي في مكان لدل ذلك
على حُدُوثه، لاَنّ ما حواه محْدُودٌ محدث.
فإن قيل: إنّه يرى في غير مكان. فهذا لا يعقل، بل فيه نفي الروَية، وقد قال
تعالى: "لاتُدْرِكُهُ الاََبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الاََبْصَارَ" [الاَنعام: 103]، فنفى نفياً عاماً
لجميع المكلفين، و [لجميع] أوقات الدنيا والآخرة.
وقال اللّه تعالى لموسى ـ لما سأله الروَية ـ: "لَنْ تَرَانِي" [الاَعراف: 143]،
ولم يسأل موسى _ عليه السلام _ الروَية لنفسه، بل عن سوَال قومه، كما حكاه اللّه
في قصص قومه: "فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوْا أَرِنَا اللّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ
الصَّاعِقَةُ" [النساء: 153]، ولو سألها لنفسه لصعق معهم. ولما لم يقع منه خطيئة إلا
سوَاله لهم الروَية من دون إذن، قال لربه عزّ وجلّ: "أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنّا"
[الاَعراف: 155].
فصل [في أنّ اللّه تعالى واحد]
فإن قيل: أربّك واحدٌ لا ثاني له، أم لا ؟
فقل: بلى هو واحد لا ثاني له في الجلال، متفرد هو بصفات الكمال؛ لاَنّه لو