شيء آثرتموه وعملتم له من الدنيا ليس بخَلَف ممّا زيّن اللّه به العلماء من عباده
الحافظين لرعاية ما استرعاهم واستحفظهم من أمره ونهيه، ذلك بأنّ العاقبة
للمتقين، والحسرة والندامة والويل الدائم للجائرين الفاجرين.
[الاعتبار من الاَُمم السابقة]
فتفكّروا عباد اللّه واعتبروا، وانظروا وتدبّروا وازدجروا بما وعظ اللّه به هذه
الاَُمّة من سوء ثنائه على الاَحبار والرهبان.
إذ يقول: "لَوْلاَ يَنْهَاهُمُ الرَبّانِيُّونَ والاَحبَارُ عَن قَوْلِهِمُ الاِثْمَ وأكْلِهِمُ السُّحْتَ
لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ" (1).
وإنّما عاب ذلك عليهم بأنّهم كانوا يشاهدون الظلمة الذين كانوا بين
ظهرانيهم يأمرون بالمنكر، ويعملون الفساد فلا ينهونهم عن ذلك، ويرون حقّ
اللّه مضيعاً، ومال اللّه دُولة يوَكل بينهم ظلماً ودولة بين الاَغنياء، فلا يمنعون من
ذلك رغبة فيما عندهم من العَرَض الآفل، والمنزل الزائل، ومداهنة (2)منهم على
أنفسهم.
وقد قال اللّه عزّ وجلّ لكم: "يَا أَيُّـها الّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيراً مِنَ الاَحْبارِ
والرُّهْبَانِ لَيَأكُلُونَ أموالَ النّاسِ بِالْباطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَالّذِينَ يَكْنِزُونَ
الذَهَبَ وَالفِضَّةَ وَلايُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّـرْهُمْ بِعَذَابٍ ألِيمٍ"(3)كيما تحذروا.
وإذا رأيتم العالم بهذه الحالة والمنزلة فأنزلوه منزلة من عاث في أموال
الناس بالمصانعة (4)، والمداهنة، والمضارعة (5)لظلمة أهل زمانهم، وأكابر
(1) المائدة: 63.
(2) المداهنة: المداراة والملاينة، وداهن على نفسه أبقى عليها.
(3) التوبة: 34.
(4) المصانعة: الرشوة والمداراة.
(5) المضارعة: التقرب والمقارنة.