الاَحاديث الكريمة نعرف من الحقيقة أنصعَها ويتجلّـى من أعماق الاَصداف لوَلوَها، وانّ تلك الشخصية الشامخة على سبب وثيق من معادن الحقّ، وذات كرامة قدسية تهبط من الملاَ الاَعلى، وأنّ الاَئمة الهداة يتفألون من غرة تلك النهضة الهاشمية أن يعود الحقّ إلى نصابه، وهي القوة التي تتحطم بها هياكل الباطل وتعقد عليها الآمال، وهي التي أظهرت مظلومية الاَئمة، ومثّلت للملاَ أحقيتهم بالخلافة، من غيرهم ذوي الاَطماع وأرباب الشهوات، وانكشف لنا بكل وضوح امتثاله أمر الاِمام في نقض دعائم الاِلحاد وتبديد جيش الظلم والباطل، وتفريق جماهير الشرك وأحزاب الضلال، وعبدة المطامع والاَهواء، خصوصاً إذا قرأنا قول الباقر ـ عليه السلام ـ: «ويل لمن سمع واعيته فلم يجبه» وقول الصادق _ عليه السلام _: «إذا دعاكم فأجيبوه وإذا استنصركم فانصروه» وقوله: «أشركني اللّه في تلك الدماء» وقوله عندما سئل عن مبايعته: «بايعوه» وقوله: «خرج على ما خرج عليه آباوَه» وقوله: «برىَ اللّه ممن تبرّأ من عمي زيد». فإنّ هذه الاَحاديث تدلنا على أنّه لم يقصد إلاّ إصلاح أُمّة جده _ صلى الله عليه وآله وسلم _ ولم يدع إلاّ إلى سبيل ربّه بالحكمة والموعظة الحسنة. وهناك جملة أُخرى من الاَحاديث حكت لنا مقايسة الاِمام _ عليه السلام _ شهادة زيد بالشهداء الذين استشهدوا مع النبي _ صلى الله عليه وآله وسلم _ وعلي والحسين _ عليهما السلام _ وقد استشهد هنالك رجال كانت لهم منازل عالية ومقامات رفيعة يغبطهم عليها جميع الشهداء، وقد نال زيد بذلك التشبيه والمقايسة تلك المراتب العاليه وحاز ذلك الشرف الباهر، فحقيق إذاً إذا قال الباقر _ عليه السلام _ في دعائه: «اللهم أُشدد أزري بزيد»، وقال النبي _ صلى الله عليه وآله وسلم _: «يأتي زيد وأصحابه يوم القيامة يتخطّون رقاب الناس غُرّاً محجلين يدخلون الجنّة بغير حساب، وكانوا فرحين مسرورين بما أُوتي لهم من النعيم الدائم» (1).