والحيرة كان غافلاً عمّا يجري فيها من وثوب الناس على زيد ومبايعتهم له، إلى أن
كشف عنه هشام، وأمره بما أمره.
روى أبو الفرج قال: لما قتل زيد رثاه الكميت بقصيدة هجا فيها بني أُمية
يقول فيها:
فيا ربّ هل إلاّ بك النصر يُبتغى
وياربّ هل إلاّ عليك المعول
وياربّ هل إلاّ عليك المعول
وياربّ هل إلاّ عليك المعول
فلما قرأها هشام بن عبد الملك أكبرها وعظمت عليه واستنكرها وكتب إلى خالد
يُقسم عليه أن يقطع لسان الكميت ويده، فلم يشعر الكميت إلاّ والخيل محدقة
بداره فأُخذ وحبس في المخيّس... (1).
يقول ابن العماد الحنبلي في حوادث سنة 125:
وفيها مات في ربيع الآخر، الخليفة أبو الوليد هشام بن عبد الملك الاَموي،
وكانت خلافته عشرين سنة إلاّ شهراً، وكانت داره عند الخواصين بدمشق فعمل
منها السلطان نور الدين مدرسة، وكان ذا رأي وحزم وحلم وجمع للمال. عاش
أربعاً وخمسين سنة، وكان أبيض سميناً أحول، سديداً حسن الكلام، شكس
الاَخلاق، شديد الجمع للمال قليل البذل، وكان حازماً متيقّـظاً لايغيب عنه شيء
من أمر ملكه، قال المسعودي: كان هشام أحول، فظّاً، غليظاً، يجمع الاَموال ويعمّر
الاَرض، ويستجيد الخيل، وأقام الحلبة. اجتمع له فيها من خيله وخيل غيره أربعة
آلاف فرس ولم يعرف ذلك في جاهلية ولا إسلام لاَحد من الناس، وقد ذكرت
الشعراء ما اجتمع له من الخيل واستجاد الكساء والفرش وعدد الحرب، ولامتها،
واصطنع الرجال، وقوّى الثغور واتّخذ القنى، والبرك بمكة وغير ذلك من الآبار
التي أتى عليها داود بن علي في صدر الدولة العباسية، وفي أيامه عمل الحرز
فسلك الناس جميعاً في أيامه مذهبه، ومنعوا ما في أيديهم فقلّ الاِفضال وانقطع
(1) الاَغاني: 17|4.