ثم إنه سبحانه أوعد الغافلين عن الأدلةالمتقدمة المكذبين بالمعاد فقال «إِنَّالَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا» أيلقاء جزائنا و معناه لا يطمعون في ثوابنا وأضافه إلى نفسه تعظيما له و يحتمل أن يكونالمعنى لا يخافون عقابنا كما يكون الرجاءبمعنى الخوف كما في قول الهذلي: إذا لسعته النحل لم يرج لسعها *** و خالفهافي بيت نوب عواسل جعل سبحانه ملاقاة ما لا يقدر عليه إلا هوملاقاة له كما جعل إتيان ملائكته إتياناله في قوله هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْيَأْتِيَهُمُ اللَّهُ تفخيما للأمر «وَرَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا» أي متعوابها و اختاروها فلا يعملون إلا لها و لايجتهدون إلا لأجلها مع سرعة فنائها و لايرجون ما وراءها «وَ اطْمَأَنُّوا بِها»أي و سكنوا إلى الدنيا بأنفسهم و ركنواإليها بقلوبهم «وَ الَّذِينَ هُمْ عَنْآياتِنا غافِلُونَ» أي ذاهبون عن تأملهافلا يعتبرون بها «أُولئِكَ مَأْواهُمُالنَّارُ» أي مستقرهم النار «بِما كانُوايَكْسِبُونَ» من المعاصي ثم وعد سبحانهالمؤمنين بعد ما أوعد الكافرين فقال«إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا» أي صدقوابالله و رسله «وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ»أي و أضافوا إلى ذلك الأعمال الصالحة«يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ»إلى الجنة «تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُالْأَنْهارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ» أيتجري بين أيديهم الأنهار و هم يرونها منعلو كما قال سبحانه قَدْ جَعَلَ رَبُّكِتَحْتَكِ سَرِيًّا و معلوم أنه لم يجعلالسري الذي هو الجدول تحتها و هي قاعدةعليه و إنما أراد أنه جعله بين يديها و قيلمعناه من تحت بساتينهم و أسرتهم و قصورهمعن الجبائي و قوله «بِإِيمانِهِمْ» يعنيبه جزاء على إيمانهم «دَعْواهُمْ فِيها»أي دعاء المؤمنين في الجنة و ذكرهم فيها أنيقولوا «سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ» يقولونذلك لا على وجه العبادة لأنه ليس هناكتكليف بل يلتذون بالتسبيح و قيل إنهم إذامر بهم الطير في الهواء يشتهونه قالواسبحانك اللهم فيأتيهم الطير فيقع مشويابين أيديهم و إذا قضوا منه الشهوة قالواالحمد لله رب العالمين فيطير الطير حياكما كان فيكون مفتتح كلامهم في كل شيءالتسبيح و مختتم كلامهم التحميد فيكون