مجمع البیان فی تفسیر القرآن جلد 5
لطفا منتظر باشید ...
على طريق البلاغة لشدة إدراك الحاسةإياها «إِذا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آياتِنا»أي فهم يحتالون لدفع آياتنا بكل ما يجدونالسبيل إليه من شبهة أو تخليط في مناظرة أوغير ذلك من الأمور الفاسدة و قال مجاهدمكرهم استهزاؤهم و تكذيبهم «قُلِ» يا محمدلهم «اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْراً» أي أقدرجزاء على المكر و معناه أن ما يأتيهم منالعقاب أسرع مما أتوه من المكر أي أوقع فيحقه و قيل أن مكره سبحانه إنزاله العقوبةبهم من حيث لا يشعرون «إِنَّ رُسُلَنا»يعني الملائكة الحفظة «يَكْتُبُونَ ماتَمْكُرُونَ» أي ما تدبرون من سوء التدبيرو في هذا غاية الزجر و التهديد من وجهين(أحدهما) أنه يحفظ مكرهم (و الآخر) أنه أقدرعلى جزائهم و أسرع فيه ثم امتن الله سبحانهعلى خلقه بأن عدد نعمه التي يفعلها بهم فيكل حال فقال «هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْفِي الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ» أي يمكنكم منالمسير في البر و البحر بما هيأ لكم منآلات السير و هي خلق الدواب و تسخيرها لكملتركبوها في البر و تحملوا عليها أثقالكمو هيأ السفن في البحر و إرسال الرياحالمختلفة التي تجري بالسفن في الجهاتالمختلفة «حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِيالْفُلْكِ» خص الخطاب براكب البحر أي إذاكنتم راكبي السفن في البحر «وَ جَرَيْنَبِهِمْ» أي و جرت السفن بالناس لما ركبوهاعدل عن الخطاب إلى الإخبار عن الغائبتصرفا في الكلام على أنه يجوز أن يكونخطابا لمن كان في تلك الحال و إخبارالغيرهم من الناس «بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ» أيبريح لينة يستطيبونها «وَ فَرِحُوا بِها»أي سروا بتلك الريح لأنها تبلغهم مقصودهمعن أبي مسلم و قيل فرحوا بالسفينة حيثحملتهم و أمتعتهم «جاءَتْها رِيحٌعاصِفٌ» أي جاءت للسفينة ريح عاصف شديدةالهبوب الهائلة «وَ جاءَهُمُ الْمَوْجُمِنْ كُلِّ مَكانٍ» من البحر و الموجاضطراب البحر و معناه و جاء راكبي البحرالأمواج العظيمة من جميع الوجوه «وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ» أيأيقنوا أنهم دنوا من الهلاك و قيل غلب علىظنهم أنهم سيهلكون لما أحاط بهم منالأمواج «دَعَوُا اللَّهَ» عند هذهالشدائد و الأهوال و التجئوا إليه ليكشفذلك عنهم «مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ» أيعلى وجه الإخلاص في الاعتقاد و لم يذكرواالأوثان و الأصنام لعلمهم بأنها لا تنفعهمهاهنا شيئا و قالوا «لَئِنْأَنْجَيْتَنا» يا رب «مِنْ هذِهِ» الشدة«لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ» أي منجملة من يشكرك على نعمك و قوله «جاءَتْهارِيحٌ عاصِفٌ» جواب قوله «إِذا كُنْتُمْفِي الْفُلْكِ» و قوله «دَعَوُا اللَّهَ»جواب قوله «وَ ظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَبِهِمْ» «فَلَمَّا أَنْجاهُمْ» أي خلصهمالله تعالى من تلك المحن «إِذا هُمْيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِالْحَقِّ» أي يعملون فيها بالمعاصي والفساد و يشتغلون بالظلم على الأنبياء وعلى المسلمين «يا أَيُّهَا النَّاسُإِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْمَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا» أي بغيبعضكم على بعض و ما ينالونه به متاع فيالدنيا و إنما تأتونه لحبكم