ثم رد الله سبحانه على الكفار قولهم ائْتِبِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ وقولهم إن النبي (ص) افترى هذا القرآن فقال«وَ ما كانَ هذَا الْقُرْآنُ أَنْيُفْتَرى» أي افتراء «مِنْ دُونِاللَّهِ» فأقام أن مع الفعل مقام المصدربل هي وحي من الله و متلقى منه «وَ لكِنْتَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ» منالكتب كما قال في موضع آخر مُصَدِّقاًلِما بَيْنَ يَدَيْهِ و هذه شهادة من اللهبأن القرآن صدق و شاهد لما تقدم من التوراةو الإنجيل و الزبور بأنها حق و من وجه آخرهو شاهد لها من حيث إنه مصداق لها على ماتقدمت البشارة به فيها و قيل معناه تصديقالذي بين يديه في المستقبل من البعث والنشور و الحساب و الجزاء «وَ تَفْصِيلَالْكِتابِ» أي تبيين المعاني المجملة فيالقرآن من الحلال و الحرام و الأحكامالشرعية و قيل معناه و بيان الأدلة التيتحتاجون إليها في أمور دينكم «لا رَيْبَفِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ» أي لا شكفيه أنه نازل من عند الله و أنه معجز لايقدر أحد على مثله و هذا غاية في التحدي«أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ» هذا تقريرعلى موضع الحجة بعد مضي حجة أخرى و تقديرهبل أ يقولون افتراه هذا فألزمهم على الأصلالفاسد إمكان أن يأتوا بمثله و «قُلْ» لهم«فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ» أي مثلهفي البلاغة لأنكم من أهل لسانه فلو قدر علىذلك لقدرتم أنتم أيضا عليه فإذا عجزتم عنذلك فاعلموا أنه ليس من كلام البشر و أنهمنزل من عند الله عز اسمه و قيل «بِسُورَةٍمِثْلِهِ» أي بسورة مثل سورة منه و قالمثله لأنه إنما التمس من هذا شبه الجنس «وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِاللَّهِ» أي و ادعوا من قدرتم عليه من دونالله و استعينوا به للمعاضدة على المعارضةبسورة مثله «إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ» فيأن هذا القرآن مفترى من دون الله و هذاأيضا غاية في التحدي و التعجيز «بَلْكَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوابِعِلْمِهِ» أي بما كذبوا و لم يعلموه منجميع وجوهه لأن في القرآن ما يعلم المرادمنه بدليل و يحتاج إلى الفكر فيه و الرجوعإلى الرسول في معرفة مراده و ذلك مثلالمتشابه فالكفار لما لم يعرفوا المرادبظاهره كذبوا به و قيل معناه بل كذبوا بمالم يحيطوا علما بكيفية نظمه و ترتيبه و هذاكما أن الناس يعرفون ألفاظ الشعر و الخطب ومعانيها و لا يمكنهم إبداعها لجهلهمبنظمها و ترتيبها و قال الحسن معناه بلكذبوا بالقرآن من غير علم ببطلانه و قيلمعناه بل كذبوا بما في القرآن من الجنة والنار و البعث و النشور و الثواب و العقاب«وَ لَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ» أيلم يأتهم بعد حقيقة ما وعد في الكتاب ممايؤول إليه أمرهم من العقوبة و قيل معناه إنفي القرآن أشياء لا يعلموه هم و لا يمكنهممعرفته إلا بالرجوع إلى