مجمع البیان فی تفسیر القرآن جلد 5
لطفا منتظر باشید ...
و ردوا عليك قولك «فَقُلْ» لهم «لِيعَمَلِي» فإن كنت كاذبا فوباله علي «وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ» أي و لكم جزاء عملكم«أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ»نظيره قوله قُلْ يا أَيُّهَاالْكافِرُونَ إلى آخر السورة و هذا وعيدلهم من الله تعالى كقوله اعْمَلُوا عَلىمَكانَتِكُمْ و نحوه و قيل إن هذه الآيةمنسوخة بآية القتال و قيل أنه لا تنافي بينهذه الآية و آية القتال لأنها براءة و وعيدو ذلك لا ينافي الجهاد «وَ مِنْهُمْ مَنْيَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ» معناه و من جملةهؤلاء الكفار من يستمع إليك يا محمد والاستماع طلب السمع فهم كانوا يطلبونالسمع للرد لا للفهم فلذلك لزمهم الذمفإنهم إذا سمعوه على هذا الوجه كأنهم صم لميستمعوه حيث لم ينتفعوا به «أَ فَأَنْتَتُسْمِعُ الصُّمَّ» هذا خطاب للنبي (ص)بأنه لم يقدر على إسماع الصم «وَ لَوْكانُوا لا يَعْقِلُونَ» قال الزجاج معناهو لو كانوا جهالا و هذا مثل قول الشاعر:
" أصم عما ساءه سميع" «وَ مِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ» أيو من جملتهم من ينظر إليك يا محمد فلم يخبربلفظ الجمع هنا لأنه حمله على اللفظ و قال«مَنْ يَسْتَمِعُونَ» فأخبر بلفظ الجمعحملا على المعنى أي ينظر إلى أفعالك وأقوالك لا نظر الحقيقة و العبرة بل نظرالعادة فلا ينتفع بنظره «أَ فَأَنْتَتَهْدِي الْعُمْيَ وَ لَوْ كانُوا لايُبْصِرُونَ» أي فكما أنك لا تقدر أن تبصرالعمي فتنفعهم به كذلك لا تقدر أن تنفع بماتأتي به من الأدلة من ينظر إليها و لا يطلبالانتفاع بها و قوله «أَ فَأَنْتَ»استفهام المراد به النفي و قيل إن معنىالآيتين و منهم من يستمع إلى كلامك استماعالطعن و التعنت و ينظر إلى أدلتك نظرالطاعن القادح فيها المكذب بها الرادعليها فلا تقدر أن تنفعهم بمثل هذاالاستماع و النظر «إِنَّ اللَّهَ لايَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَ لكِنَّالنَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ» قدتمدح سبحانه في هذه الآية بأنه لا يظلمأحدا من الناس شيئا بأن ينقص من حسناتهم وجزاء طاعاته و لكنهم ينقصون أنفسهم ويظلمونها بارتكاب ما نهى الله عنه منالقبائح و المعنى هنا أن الله تعالى لايمنع أحدا الانتفاع بما كلفهم الانتفاع بهمن القرآن و الأدلة و لكنهم يظلمون أنفسهمبترك النظر فيه و الاستدلال به و تقويتهمأنفسهم الثواب عليها و إدخالهم عليهاالعقاب ففي الآية دلالة على أنه سبحانه لايفعل الظلم فبطل قول المجبرة في إضافة كلظلم إلى خلقه و إرادته.النظم
قيل في اتصال الآية الأولى بما قبلها أنهسبحانه لما بين دلائل التوحيد و النبواتفعاندوا و كذبوا أمر فيما بعد بقطع العصمةعنهم و الوعيد لهم و أما الآية الأخيرة وهي قوله «إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُالنَّاسَ شَيْئاً» فالوجه في اتصالها بماقبلها أنها تتصل بقوله «فَانْظُرْ كَيْفَكانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِينَ» يعني أنهماستحقوا ذلك الهلاك و العذاب بأفعالهم وما ظلمناهم