ثم بين سبحانه حالهم يوم الجمع فقال «وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ» أي يجمعهم من كلمكان إلى الموقف «كَأَنْ لَمْيَلْبَثُوا» في الدنيا «إِلَّا ساعَةًمِنَ النَّهارِ» أي كأنهم لم يلبثوا فيالدنيا إلا ساعة من النهار و معناه أنهماستقلوا أيام الدنيا فإن المكث في الدنياو إن طال كان بمنزلة مكث ساعة في جنبالآخرة عن الضحاك و جماعة و قيل استقلواأيام مقامهم في الدنيا لقلة انتفاعهمبأعمارهم فيها فكأنهم لم يلبثوا إلا يومافيها لقلة فائدتها و قيل إنهم استقلوا مدةلبثهم في القبور عن ابن عباس و قد دل اللهسبحانه بذلك على أنه لا ينبغي لأحد أن يغتربطول ما يأمله من البقاء في الدنيا إذا كانعاقبته إلى الزوال «يَتَعارَفُونَبَيْنَهُمْ» معناه أن الخلق يعرف بعضهمبعضا في ذلك الوقت كما كانوا في الدنياكذلك و قيل معناه يعرف بعضهم بعضا ما كانواعليه من الخطإ و الكفر قال الكلبييتعارفون إذا خرجوا من قبورهم ثم تنقطعالمعرفة إذا عاينوا العذاب و يتبرأ بعضهممن بعض «قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوابِلِقاءِ اللَّهِ» أي بلقاء جزاء الله «وَما كانُوا مُهْتَدِينَ» للحق قال الحسنمعناه خسروا أنفسهم لأنهم لم يكونوامهتدين في الدنيا و لو كانوا مهتدين فيالدنيا لم يخسروا أنفسهم و معناه أنهمخسروا الدنيا حين صرفوها إلى المعاصي وخسروا نعيم الآخرة حين فوتوها على أنفسهمبمعاصيهم «وَ إِمَّا نُرِيَنَّكَ» يامحمد في حياتك «بَعْضَ الَّذِينَعِدُهُمْ» أي نعد هؤلاء الكفار منالعقوبة في الدنيا قالوا و منها وقعة بدر«أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ» أي نميتنك قبلأن ينزل ذلك بهم و ينزل ذلك بهم بعد موتك«فَإِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ» أي إلى حكمنامصيرهم في الآخرة فلا يفوتوننا و قيل إنالله سبحانه وعد نبيه (ص) أن ينتقم له منهمإما في حياته أو بعد وفاته و لم يحده بوقتفقال إن ما وعدناه حقا لا محالة «ثُمَّاللَّهُ شَهِيدٌ عَلى ما يَفْعَلُونَ»أي عليم بأفعالهم حافظ لها فهو يوفيهمعقاب معاصيهم «وَ لِكُلِّ أُمَّةٍرَسُولٌ» أي لكل جماعة على طريقة واحدة ودين واحد كأمة محمد و أمة موسى و عيسى (ع)رسول بعثه الله إليهم و حمله الرسالة التييؤديها إليهم «فَإِذا جاءَ رَسُولُهُمْ»هاهنا حذف و إضمار و التقدير فإذا جاءرسولهم و بلغ الرسالة فكذبه قومه و صدقهآخرون «قُضِيَ بَيْنَهُمْ» فيهلكالمكذبون و ينجو المؤمنون و قيل معناهفإذا جاء رسولهم يشهد عليهم يوم القيامةعن مجاهد و قيل في الدنيا بما أذن الله لهمن الدعاء عليهم قضي بينهم أي فصل بينهمالأمر على الحتم «بِالْقِسْطِ» أي بالعدل«وَ هُمْ لا يُظْلَمُونَ» أي لا ينقصون عنثواب طاعاتهم و لا يزدادون في عقابسيئاتهم.