وجه التشبيه في كذلك أن نجاة من بقي منالمؤمنين كنجاة من مضى في أنه حق على اللهواجب لهم و يحتمل أن يكون العامل في كذلكننجي الأول و تقديره ننجي رسلنا و الذينآمنوا كذلك الإنجاء و يحتمل أن يكونالعامل فيه ننجي الثاني و حقا نصب علىالمصدر أي يحق حقا و قيل إنه نصب على الحالو إن كان لفظه لفظ المصدر عن أبي مسلم قالجامع العلوم النحوي الضرير و يجوز أن ينصبحقا بدلا من كذلك أو وصفا و لا يجوز أن ينصبكذلك و حقا جميعا بقوله «نُنَجِّيرُسُلَنا» لأن الفعل الواحد لا يعمل فيمصدرين و لا في حالين و لا في استثناءين ولا في مفعولي معهما و قد بين ذلك في موضعهفإن جعلت كذلك من صلة ننجي و جعلت حقا منصلة قوله «نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ» أيننجي المؤمنين حقا كان الوقف على كذلك.
المعنى
ثم بين سبحانه ما يزيد في تنبيه القوم وإرشادهم فقال «قُلِ» يا محمد لمن يسألكالآيات «انْظُرُوا ما ذا فِي السَّماواتِوَ الْأَرْضِ» من الدلائل و العبر مناختلاف الليل و النهار و مجاري النجوم والأفلاك و ما خلق من الجبال و البحار وأنبت من الأشجار و الثمار و أخرج من أنواعالحيوانات فإن النظر في أفرادها و جملتهايدعوا إلى الإيمان و إلى معرفة الصانع ووحدانيته و علمه و قدرته و حكمته «وَ ماتُغْنِي الْآياتُ وَ النُّذُرُ عَنْقَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ» معناه و ما تغنيهذه الدلالات و البراهين الواضحة معكثرتها و ظهورها و لا الرسل المخوفة عن قوملا ينظرون في الأدلة تفكرا و تدبرا و لايريدون الإيمان و قيل ما تغني معناه أيشيء تغني عنهم من اجتلاب نفع أو دفع ضررإذا لم يستدلوا بها فيكون ما للاستفهام وكان الحسن إذا قرأ هذه الآية هتف بها و قالو ما تغني الحجج عن قوم لا يقبلونها و قال أبو عبد الله (ع) لما أسرى برسول الله(ص) جبريل بالبراق فركبها فأتى بيت المقدسفلقي من لقي من الأنبياء ثم رجع فأصبح يحدثأصحابه إني أتيت بيت المقدس و لقيت إخوانيمن الأنبياء فقالوا يا رسول الله كيف أتيتبيت المقدس الليلة قال جاءني جبرائيلبالبراق فركبتها و آية ذلك أني مررت بعيرلأبي سفيان على ماء لبني فلان و قد أضلواجملا لهم أحمر و هم في طلبه فقال القومبعضهم لبعض إنما جاءه راكب سريع و لكنكم قدأتيتم الشام و عرفتموها فاسألوه عنأسواقها و أبوابها و تجارها فسألوه عن ذلكو كان (ص) إذا سئل عن الشيء لا يعرفه شقذلك عليه حتى يرى ذلك في وجهه قال فبينا هوكذلك إذا أتاه جبرائيل (ع) فقال يا رسولالله هذه الشام قد رفعت لك فالتفت رسولالله (ص) فإذا هو بالشام فقالوا له أين بيتفلان و مكان كذا فأجابهم في كل ما سألوهعنه فلم يؤمن منهم إلا قليل و هو قول اللهتعالى «وَ ما تُغْنِي