لما تقدم ذكر الوعد و الوعيد و الترغيب والترهيب عقب ذلك سبحانه بذكر أخبارالأنبياء تأكيدا لذلك و تخويفا للقوم وتسلية للنبي (ص) و بدأ بقصة نوح (ع) فقال «وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلىقَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ»و قد مر بيانه «أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلَّااللَّهَ» أي أنذركم أن لا تعبدوا إلا اللهعن الزجاج يريد لأن توحدوا الله و تتركواعبادة غيره و بدأ بالدعاء إلى الإخلاص فيالعبادة و قيل أنه دعاهم إلى التوحيد لأنهمن أهم الأمور إذ لا يصح شيء من العباداتإلا بعد التوحيد «إِنِّي أَخافُعَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ» إنماقال أخاف مع أن عقاب الكفار مقطوع عليهلأنه لم يعلم ما يؤول إليه عاقبة أمرهم منإيمان أو كفر و هذا لطف في الاستدعاء وأقرب إلى الإجابة في الغالب «فَقالَالْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْقَوْمِهِ» أي من قوم نوح لنوح (ع) «مانَراكَ إِلَّا بَشَراً مِثْلَنا» ظنامنهم أن الرسول إنما يكون من غير جنسالمرسل إليه و لم يعلموا أن البعثة منالجنس قد تكون أصلح و من الشبهة أبعد «وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَهُمْ أَراذِلُنا» أي لم يتبعك الملأ والأشراف و الرؤساء منا و إنما اتبعكأخساؤنا الذين لا مال لهم و لا جاه «بادِيَالرَّأْيِ» أي في ظاهر الأمر و الرأي لميتدبروا ما قلت و لم يتفكروا فيه و قالالزجاج معناه اتبعوك في الظاهر و باطنهمعلى خلاف ذلك و من قرأ بالهمز فالمعنى أنهماتبعوك ابتداء الرأي أي حين ابتدأواينظرون و لو فكروا لم يتبعوك و قيل معناهإن في مبتدإ وقوع الرؤية عليهم يعلم أنهمأراذلنا و أسافلنا «وَ ما نَرى لَكُمْعَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ» أي و ما نرى لك ولقومك علينا من فضل فإن الفضل إنما يكون فيكثرة المال و المنزلة في الدنيا و الشرف فيالنسب و إنما قالوا ذلك لأنهم جهلوا طريقةالاستدلال و لو استدلوا بالمعجزات الدالةعلى نبوته لعلموا أنه نبي و إن من آمن بهمؤمن و من خالفه كافر