مجمع البیان فی تفسیر القرآن جلد 5
لطفا منتظر باشید ...
العياذ بالله الاعتصام به طلبا للنجاة ومعناه هاهنا الخضوع و التذلل لله سبحانهليوفقه و لا يكله إلى نفسه و إنما حذف يا منقوله «رَبِّ» و أثبته في قوله «يا نُوحُ»لأن ذلك نداء تعظيم و هذا نداء تنبيه فوجبأن يأتي بحرف التنبيه «وَ إِلَّا تَغْفِرْلِي وَ تَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَالْخاسِرِينَ» إنما قال ذلك على سبيلالتخشع و الاستكانة لله تعالى و إن لم يسبقمنه ذنب ثم حكى الله سبحانه ما أمر به نوحاحين استقرت السفينة على الجبل بعد خرابالدنيا بالطوفان فقال «قِيلَ يا نُوحُاهْبِطْ» أي أنزل من الجبل أو من السفينة«بِسَلامٍ مِنَّا» أي بسلامة منا و نجاة وقيل بتحية و تسليم منا عليك «وَ بَرَكاتٍعَلَيْكَ» أي و نعم دائمة و خيرات ناميةثابتة حالا بعد حال عليك «وَ عَلى أُمَمٍمِمَّنْ مَعَكَ» يعني الأمم الذين كانوامعه في السفينة من المؤمنين و الأمةالجماعة الكثيرة المتفقة على ملة واحدة وقيل معناه و على أمم من ذرية من معك و قيليعني بالأمم سائر الحيوان الذين كانوا معهلأن الله تعالى جعل فيها البركة «وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّيَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ»معناه أنه يكون من نسلهم أمم سنمتعهم فيالدنيا بضروب من النعم فيكفرون و نهلكهمثم يمسهم بعد الهلاك عذاب مؤلم و إنماارتفع أمم لأنه استأنف الإخبار عنهم و رويعن الحسن أنه قال هلك المتمتعون في الدنيالأن الجهل يغلب عليهم و الغفلة فلايتفكرون إلا في الدنيا و عمارتها و ملاذهاثم أشار سبحانه إلى ما تقدم ذكره من أخبارقوم نوح فقال «تِلْكَ» أي تلك الأنباء«مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ» أي من أخبار ماغاب عنك معرفته و لو قال ذلك كان جائزا لأنالمصادر قد يكنى عنها بالتذكير كما يكنىبالتأنيث يقولون قدم فلان ففرحت بها أيبقدمته و فرحت به أي بقدومه «نُوحِيهاإِلَيْكَ ما كُنْتَ تَعْلَمُها أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هذا» أي أن هذهالأخبار التي أعلمناكها لم تكن تعلمها أنتو لا قومك من العرب يعرفونها من قبلإيحائنا إليك لأنهم لم يكونوا أهل كتاب وسير و قيل من قبل هذا القرآن و بيان القصصفيه «فَاصْبِرْ» أي فاصبر على القيام بأمرالله و على أذى قومك يا محمد كما صبر نوحعلى أذى قومه و هذا أحد الوجوه التي لأجلهاكرر الله قصص الأنبياء (ع) ليصبر النبي (ص)على ما كان يقاسيه من أمور الكفار الجهالحالا بعد حال «إِنَّ الْعاقِبَةَلِلْمُتَّقِينَ» أي إن العاقبة المحمودةو خاتمة الخير و النصرة للمتقين كما كانتلنوح (ع).