مجمع البیان فی تفسیر القرآن جلد 5
لطفا منتظر باشید ...
وَ لا جَانٌّ» على أنه سبحانه قال في موضعآخر وَ قِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَو هل هذا إلا ظاهر التناقض فالجواب أن يومالقيامة يشتمل على مواقف قد أذن لهم فيالكلام في بعض تلك المواقف و لم يؤذن لهمفي الكلام في بعضها عن الحسن و قيل أن معنىقوله لا يَنْطِقُونَ أنهم لا ينطقون لحجةو إنما يتكلمون بالإقرار بذنوبهم و لومبعضهم بعضا و طرح بعضهم الذنوب على بعض وهذا كما يقول القائل لمن تكلم بكلام كثيرفارغ عن الحجة ما تكلمت بشيء و لا نطقتبشيء فسمي من يتكلم بما لا حجة فيه غيرمتكلم كما قال سبحانه صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌو هم كانوا يسمعون و يتكلمون و يبصرون إلاأنهم في أنهم لا يقبلون الحق و لا يتأملونبمنزلة الصم البكم العمي و كلا الوجهينحسن و أما قوله فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُعَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَ لا جَانٌّ فمعناهأنهم لا يسألون عن ذنوبهم للتعرف من حيث أنالله سبحانه علم أعمالهم و إنما يسألونسؤال توبيخ و تقريع و تقرير لإيجاب الحجةعليهم كما في قوله وَ قِفُوهُمْ إِنَّهُمْمَسْؤُلُونَ فأثبت سبحانه سؤال التقريعفي آية و نفي سؤال التعرف و الاستعلام فيأخرى فلا تناقض و قوله «فَمِنْهُمْشَقِيٌّ وَ سَعِيدٌ» إخبار منه سبحانهبأنهم قسمان أشقياء و هم المستحقون للعقابو سعداء و هم المستحقون للثواب و الشقاءقوة أسباب البلاء و السعادة قوة أسبابالنعمة و الشقي من شقي بسوء عمله في معصيةالله و السعيد من سعد بحسن عمله في طاعةالله و الضمير في قوله «فَمِنْهُمْ» يعودإلى الناس في قوله ذلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌلَهُ النَّاسُ و قيل إنه يعود إلى نفس فيقوله «لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّابِإِذْنِهِ» لأن النفس اسم الجنس«فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِيالنَّارِ» يعني أن الذين شقوا باستحقاقهمالعذاب جزاء على أعمالهم القبيحة داخلونفي النار و إنما وصفوا بالشقاوة قبلدخولهم النار لأنهم على حال تؤديهم إلىدخولها و أما ما روي عن النبي (ص) أنه قال الشقي من شقي فيبطن أمه فإن المراد بذلك أن المعلوم من حاله أنهسيشقى بارتكاب القبائح التي تؤديه إلىعذاب النار كما يقال لابن الشيخ الهرم أنهيتيم بمعنى أنه سييتم «لَهُمْ فِيهازَفِيرٌ وَ شَهِيقٌ» قال الزجاج الزفير والشهيق من أصوات المكروبين المحزونين والزفير من شديد الأنين و قبيحة بمنزلةابتداء صوت الحمار و الشهيق الأنين الشديدالمرتفع جدا بمنزلة آخر صوت الحمار و عنابن عباس قال يريد ندامة و نفسا عاليا وبكاء لا ينقطع «خالِدِينَ فِيها ما دامَتِالسَّماواتُ وَ الْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَرَبُّكَ» اختلف العلماء في تأويل هذا فيالآيتين و هما من المواضع المشكلة فيالقرآن و الإشكال فيه من وجهين (أحدهما)تحديد الخلود بمدة دوام السماوات و الأرض(و الآخر) معنى الاستثناء بقوله «إِلَّا ماشاءَ رَبُّكَ» فالأول فيه أقوال (أحدها) أنالمراد ما دامت السماوات و الأرض مبدلتينأي ما دامت سماء الآخرة و أرضها