(المقام الثالث) [اعتبار الخلوص في النية]
لما كانت النية- كما أشرنا آنفا- هيالمعينة و المشخصة لخصوصية الفعل- كما دلتعليه تلك الأخبار، و ان مدار الأعمال-وجودا و عدما و اتحادا و تعددا و مدارجزأيها ثوابا و عقابا- على القصود كمابيناه آنفا، و انها للأعمال كالارواحللاشباح لا قوام لها بدونها إلا قواماصوريا، و ان المرء لا يستحق من جزاء عملهالاجزاء ما قصد، فلا يستحق جزاء ما لميتعلق به قصد و لا جزاء عمل قصد سواه- وجبتصحيح القصود في الأعمال على وجه يترتبعليه الثواب و النجاة من العقاب، و هو لايحصل في العبادات إلا بقصد الفعل خالصا لهسبحانه، لقوله عز شأنه: «وَ ما أُمِرُواإِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَمُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ». و قوله: «واعبدوا اللَّه مخلصين له الدين» و قوله:«قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَهُدِينِي» الى غير ذلك من الآيات، و يتلوهانحوها في ذلك من الروايات. و هو يتحقق بأحد أمور: (منها)- قصد طاعةاللَّه تعالى و التقرب اليه. و (منها)- قصد رضاه تعالى. و (منها)- قصدتحصيل الثواب و دفع العقاب أو أحدهما. و لا خلاف- فيما أعلم- في صحة العبادة بهذهالقصود إلا في الأخير، فإن ظاهر المشهوربين الأصحاب- بل ادعى عليه الإجماع- بطلانالعبادة به. و الذي اختاره جماعة من متأخري المتأخرينهو الصحة، و هو المؤيد بالآيات و الروايات: كقوله سبحانه: «. يَدْعُونَ رَبَّهُمْخَوْفاً وَ طَمَعاً». و قوله تعالى: «. وَ يَدْعُونَنا رَغَباً وَ رَهَباً»..