بدایة والنهایة جلد 14
لطفا منتظر باشید ...
التتر و عاد بعد يومين و لم يتفق اجتماعه به ، حجبه عنه الوزير سعد الدين و الرشيد مشير الدولة المسلماني ابن يهودي ، و التزما له بقضاء الشغل ، و ذكرا له أن التتر لم يحصل لكثير منهم شيء إلى الآن ، و لا بد لهم من شيء ، و اشتهر بالبلد أن التتر يريدون دخول دمشق فانزعج الناس لذلك و خافوا خوفا شديدا ، و أرادوا الخروج منها و الهرب على وجوههم ، و أين الفرار و لات حين مناص ، و قد أخذ من البلد فوق العشرة آلاف فرس ، ثم فرضت أموال كثيرة على البلد موزعة على أهل الاسواق كل سوق بحسبه من المال ، فلا قوة إلا بالله .و شرع التتر في عمل مجانيق بالجامع ليرموا بها القلعة من صحن الجامع ، و غلقت أبوابه و نزل التتار في مشاهده يحرسون أخشاب المجانيق ، و ينهبون ما حوله من الاسواق ، و أحرق أرجوان ما حول القلعة من الابنية ، كدار الحديث الاشرفية و غير ذلك ، إلى حد العادلية الكبيرة ، و أحرق دار السعادة لئلا يتمكنوا من محاصرة القلعة من أعاليها ، و لزم الناس منازلهم لئلا يسخروا في طم الخندق ، و كانت الطرقات لا يرى بها أحد إلا القليل ، و الجامع لا يصلي فيه أحد إلا اليسير ، و يوم الجمعة لا يتكامل فيه الصف الاول و ما بعده إلا بجهد جهيد ، و من خرج من منزله في ضرورة يخرج بثياب زيهم ثم يعود سريعا ، و يظن أنه لا يعود إلى أهله ، و أهل البلد قد أذاقهم الله لباس الجوع و الخوف بما كانوا يصنعون ، فإنا لله و إنا إليه راجعون .و المصادرات و التراسيم و العقوبات عمالة في أكابر أهل البلد ليلا و نهارا ، حتى أخذ منهم شيء كثير من الاموال و الاوقاف ، كالجامع و غيره ، ثم جاء مرسوم بصيانة الجامع و توفير أوقافه و صرف ما كان يؤخذ بخزائن السلاح و إلى الحجاز ، و قرئ ذلك المرسوم بعد صلاة الجمعة بالجامع في تاسع عشر ( 1 ) جمادى الاولى ، و في ذلك اليوم توجه السلطان قازان و ترك نوابه بالشام في ستين ألف مقاتل نحو بلاد العراق ، و جاء كتابه إنا قد تركنا نوابنا بالشام في ستين ألف مقاتل ، و في عزمنا العود إليها في زمن الخريف ، و الدخول إلى الديار المصرية و فتحها ، و قد أعجزتهم القلعة أن يصلوا إلى حجر منها ، و خرج سيف الدين قبجق لتوديع قط لو شاه نائب قازان و سار وراءه و ضربت البشائر بالقلعة فرحا لرحيلهم ، و لم تفتح القلعة ، و أرسل أرجواش ثاني يوم من خروج قبجق القلعية إلى الجامع فكسروا أخشاب المنجنيقات المنصوبة به ، و عادوا إلى القلعة سريعا سالمين ، و استصحبوا معهم جماعة ممن كانوا يلوذون بالتتر قهرا إلى القلعة ، منهم الشريف القمي ، و هو شمس الدين محمد بن محمد بن أحمد بن أبي القاسم المرتضى العلوي ، و جاءت الرسل من قبجق إلى دمشق فنادوا بها طيبوا أنفسكم و افتحوا دكاكينكم و تهيئوا غدا لتلقي سلطان الشام سيف الدين قبجق ، فخرج الناس إلى أماكنهم فأشرفوا عليها فرأوا ما بها من الفساد و الدمار ، و انفك رؤساء البلد من التراسيم بعد ما ذاقوا شيئا كثيرا .قال الشيخ علم الدين البرزالي : ذكر لي الشيخ وجيه الدين بن المنجا أنه حمل إلى خزانة قازان