بدایة والنهایة جلد 14
لطفا منتظر باشید ...
للدماء ، فأراق الخمور و أحرق الحشيشة و أمسك الشطار ، و استقامت به أحوال القاهرة و مصر ، و كان هذا الرجل ملازما لا بن تيمية مدة مقامه بمصر .و في رمضان قدم إلى مصر الشيخ نجم الدين عبد الرحيم بن الشحام الموصلي من بلاد السلطان أزبك .و عنده فنون من علم الطب و غيره ، و معه كتاب بالوصية به فأعطي تدريس الظاهرية البرانية نزل له عنها جمال الدين بن القلانسي ، فباشرها في مستهل ذي الحجة ، ثم درس بالجاروضية ( 1 ) .ثم خرج الركب في تاسع شوال و أميره كوكنجبار المحمدي ، و قاضيه شهاب الدين الظاهري .و ممن خرج إلى الحج برهان الدين الفزاري ، و شهاب الدين قرطاي الناصري نائب طرابلس ، و صاروحا و شهري و غيرهم .و في نصف شوال زاد السلطان في عدة الفقهاء بمدرسته الناصرية ، كان فيها من كل مذهب ثلاثون ثلاثون ، فزادهم إلى أربعة و خمسين من كل مذهب ، و زادهم في الجوامك أيضا .و في الثالث و العشرين منه وجد كريم الدين الكبير وكيل السلطان قد شنق نفسه داخل خزانة له قد أغلقها عليه من داخل : ربط حلقه في حبل و كان تحت رجليه قفص فدفع القفص برجليه فمات في مدينة أسوان ، و ستأتي ترجمته .و في سابع عشر ذي القعدة زينت دمشق بسبب عافية السلطان من مرض كان قد أشفى منه على الموت ، و في ذي القعدة درس جمال الدين بن القلانسي بالظاهرية الجوانية عوضا عن ابن الزملكاني ، سافر على قضأ حلب ، و حضر عنده القاضي القزويني ، و جاء كتاب صادق من بغداد إلى المولى شمس بن حسان يذكر فيه أن الامير جوبان أعطى الامير محمد حسيناه قدحا فيه خمر ليشربه ، فامتنع من ذلك أشد الامتناع ، فألح عليه و أقسم فأبى أشد الاباء ، فقال له إن لم تشربها و إلا كلفتك أن تحمل ثلاثين تومانا ، فقال : نعم أحمل و لا أشربها ، فكتب عليه حجة بذلك ، و خرج من عنده إلى أمير آخر يقال له : بكتي ، فاستقرض منه ذلك المال ثلاثين تومانا فأبى أن يقرضه إلا بربح عشرة توامين ، فاتفقا على ذلك ، فبعث بكتي إلى جوبان يقول له : المال الذي طلبته من حسيناه عندي فإن رسمت حملته إلى الخزانة الشريفة ، و إن رسمت تفرقه على الجيش .فأرسل جوبان إلى محمد حسيناه فأحضره عنده فقال له : تزن أربعين تومانا و لا تشرب قدحا من خمر ؟ قال : نعم ، فأعجبه ذلك منه و مزق الحجة المكتوبة عليه ، و حظي عنده و حكمه في أموره كلها ، و ولاه و لا يأت كتابه ، و حصل لجوبان إقلاع و رجوع عن كثير مما كان يتعاطاه ، رحم الله حسيناه .و في هذه السنة كانت فتنة بإصبهان قتل بسببها ألوف من أهلها ، و استمرت الحرب بينهم شهورا .و فيها كان غلاء مفرط بدمشق ، بلغت الغرارة مائتين و عشرين ، و قلت الاقوات .و لو لا أن الله أقام الناس من يحمل لهم الغلة من مصر لاشتد الغلاء و زاد أضعاف ذلك ، فكان مات أكثر