بدایة والنهایة جلد 14
لطفا منتظر باشید ...
القلانسي على أهله من التتر بعد أسر سنتين و أياما و قد حبس مدة ثم لطف الله به و تلطف حتى تخلص منهم و رجع إلى أهله ، ففرحوا به .و في سادس جمادى الآخرة قدم البريد من القاهرة و أخبر بوفاة أمير المؤمنين الخليفة الحاكم بأمر الله العباسي ، و أن ولده ولي الخلافة من بعده ، و هو أبو الربيع سليمان ، و لقب بالمستكفي بالله ، و أنه حضر جنازته الناس كلهم مشاة ، و دفن بالقرب من ألست نفيسة ، و له أربعون سنة في الخلافة ، و قدم مع البريد تقليد بالقضاء لشمس الدين الحريري الحنفي ، و نظر الدواوين لشرف الدين بن مزهر ، و استمرت الخاتونية الجوانية بيد القاضي جلال الدين بن حسام الدين بإذن نائب السلطنة .و في يوم الجمعة تاسع جمادى الآخرة خطب للخليفة المستكفي بالله و ترحم على والده بجامع دمشق و أعيدت الناصرية إلى ابن الشريشي و عزل عنها ابن جماعة و درس بها يوم الاربعاء الرابع عشر من جمادى الآخرة و في شوال قدم إلى الشام جراد عظيم أكل الزرع و الثمار و جرد الاشجار حتى صارت مثل العصي ، و لم يعهد مثل هذا ، و في هذا الشهر عقد مجلس لليهود الخيابرة و ألزموا بأداء الجزية أسوة أمثالهم من اليهود ، فأحضروا كتابا معهم يزعمون أنه من رسول الله صلى الله عليه و سلم بوضع الجزية عنهم ، فلما وقف عليه الفقهاء تبينوا أنه مكذوب مفتعل لما فيه من الالفاظ الركيكة ، و التواريخ المحبطة ، و اللحن الفاحش ، و حاققهم عليه شيخ الاسلام ابن تيمية ، و بين لهم خطأهم و كذبهم ، و أنه مزور مكذوب ، فأنابوا إلى أداء الجزية ، و خافوا من أن تستعاد منهم الشؤون الماضية .قلت : و قد وقفت أنا على هذا الكتاب فرأيت فيها شهادة سعد بن معاذ عام خيبر ، و قد توفي سعد قبل ذلك بنحو من سنتين ، و فيه : و كتب علي بن أبي طالب و هذا لحن لا يصدر عن أمير المؤمنين علي ، لان علم النحو إنما أسند إليه من طريق أبي الاسود الدولي عنه ، و قد جمعت فيه جزءا مفردا ، و ذكرت ما جرى فيه أيام القاضي الماوردي ، و كتاب أصحابنا في ذلك العصر ، و قد ذكره في الحاوي و صاحب الشامل في كتابه و غير واحد ، و بينها ؟ خطأه و لله الحمد و المنة .و في هذا الشهر ثار جماعة من الحسدة على الشيخ تقي الدين بن تيمية و شكوا منه أنه يقيم الحدود و يعزر و يحلق رؤوس الصبيان ، و تكلم هو أيضا فيمن يشكو منه ذلك ، و بين خطأهم ، ثم سكنت الامور .و في ذي القعدة ضربت البشائر بقلعة دمشق أياما بسبب فتح أماكن من بلاد سيس عنوة ، ففتحها المسلمون و لله الحمد .و فيه قدم عز الدين بن ميسر على نظر الدواوين عوضا عن ابن مزهر .و في يوم الثلاثاء رابع ذي الحجة حضر عبد السيد بن المهذب ديان اليهود إلى دار العدل و معه أولاده فأسلموا كلهم ، فأكرمهم نائب السلطنة و أمر أن يركب بخلعة و خلفه الدبادب تضرب و البوقات إلى داره ، و عمل ليلتئذ ختمة عظمية حضرها القضاة و العلماء ، و أسلم على يديه جماعة كبيرة من اليهود ، و خرجوا يوم العيد كلهم يكبرون مع المسلمين ، و أكرمهم الناس إكراما زائدا .