بدایة والنهایة جلد 14
لطفا منتظر باشید ...
فاحترق به دكان القفاعي الكبيرة المزخرفة و ما حولها ، و اتسع اتساعا فظيعا ، و اتصل الحريق بالباب الاصفر من النحاس ، فبادر ديوان الجامع إليه فكشطوا ما عليه من النحاس و نقلوه من يومه إلى خزانة الحاصل ، بمقصورة الحلبية ، بمشهد علي ، ثم عدوا عليه يكسرون خشبه بالفؤوس الحداد ، و السواعد الشداد ، و إذا هو من خشب الصنوبر الذي في غاية ما يكون من القوة و الثبات ، و تأسف الناس عليه لكونه كان من محاسن البلد و معالمه .و له في الوجود ما ينيف عن أربعة آلاف سنة .انتهى و الله أعلم .ترجمة باب جيرون المشهور بدمشق الذي كان هلاكه و ذهابه و كسره في هذه السنة ، و هو باب سر في جامع دمشق لم ير باب أوسع و لا أعلى منه ، فيما يعرف من الابنية في الدنيا ، و له علمان من نحاس أصفر بمسامير نحاس أصفر أيضا بارزة ، من عجائب الدنيا ، و محاسن دمشق و معالمها ، و قد تم بناؤها .و قد ذكرته العرب في أشعارها و الناس و هو منسوب إلى ملك يقال له جيرون بن سعد بن عاد بن عوص ( 1 ) بن إرم بن سام بن نوح ، و هو الذي بناه ، و كان بناؤه له قبل الخليل عليه السلام ، بل قبل ثمود و هود أيضا ، على ما ذكره الحافظ ابن عساكر في تأريخه و غيره ، و كان فوقه حصن عظيم ، و قصر منيف ، و يقال بل هو منسوب إلى اسم المارد الذي بناه لسليمان عليه السلام ، و كان اسم ذلك المارد جيرون ، و الاول أظهر و أشهر ، فعلى الاول يكون لهذا الباب من المدد المتطاولة ما يقارب خمسة آلاف سنة ، ثم كان انجعاف هذا الباب لا من تلقاء نفسه بل بالايدي العادية عليه ، بسبب ما ناله من شوط حريق اتصل إليه حريق وقع من جانبه في صبيحة ليلة الاثنين السادس عشر من صفر ، سنة ثلاث و خمسين و سبعمأة فتبادر ديوان الجامعية ففرقوا شمله و قضوا ثمله ، و عروا جلده النحاس عن بدنه الذي هو من خشب الصنوبر ، الذي كأن الصانع قد فرغ منه يومئذ ، و قد شاهدت الفؤوس تعمل فيه و لا تكاد تحيل فيه إلا بمشقة ، فسبحان الذي خلق الذين بنوه أولا ، ثم قدر أهل هذا الزمان على أن هدموه بعد هذه المدد المتطاولة ، و الامم المتداولة ، و لكن لكل أجل كتاب ، و لا إله إلا رب العباد .بيان تقدم مدة هذا الباب و زيادتها على مدة أربعة آلاف سنة بل الخمسة ذكر الحافظ ابن عساكر في أول تأريخه : باب بناء دمشق بسنده عن القاضي يحيى بن حمزة التبلهي الحاكم بها في الزمن المتقدم ، و قد كان هذا القاضي من تلاميذ ابن عمر و الاوزاعي ، قال : لما فتح عبد الله بن علي دمشق بعد حصارها - يعني و انتزعها من أيدي بني أمية و سلبهم