بدایة والنهایة جلد 14
لطفا منتظر باشید ...
الامير سيف الدين إباجي يطلب منه حواصل أرغون التي عنده ( 1 ) ، فامتنع عليه أيضا ، و قد حصن القلعة و سترها و أرصد فيها الرجال و الرماة و العدد ، و هيأنها بعض المجانيق ليبعد بها فوق الابرجة ، و أمر أهل البلد أن لا يفتحوا الدكاكين و يغلقوا الاسواق ، و جعل يغلق أبواب البلد إلا بابا أو بابين منها ، و اشتد حنق العسكر عليه ، و هموا بأشياء كثيرة من الشر ، ثم يرعوون عن الناس و الله المسلم ، أن إقبال العسكر و أطرافه قد عاثوا فيما جاوروه من القرايا و البساتين و الكروم و الزروع فيأخذون ما يأكلون و تأكل دوابهم ، و أكثر من ذلك فإنا لله و إنا إليه راجعون .و نهبت قرايا كثيرة و فجروا نساء و بنات ، و عظم الخطب ، و أما التجار و من يذكر بكثرة مال فأكثرهم مختف لا يظهر لما يخشى من المصادرة ، نسأل الله أن يحسن عاقبتهم .و استهل شهر شعبان و أهل البلد في خوف شديد ، و أهل القرايا و الحواضر في نقلة أثاثهم و بقارهم و دوابهم و أبنائهم و نسائهم ، و أكثر أبواب البلد مغلقة سوى بأبي الفراديس و الجابية ، و في كل يوم نسمع بأمور كثيرة من النهب للقرايا و الحواضر ، حتى انتقل كثير من أهل الصالحية أو أكثرهم ، و كذلك من أهل العقيبة و سائر حواضر البلد ، فنزلوا عند معارفهم و أصحابهم ، و منهم من نزل على قارعة الطريق بنسائهم و أولادهم ، فلا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم .و قال كثير من المشايخ الذي أدركوا زمن قازان : إن هذا الوقت كان أصعب من ذلك لما ترك الناس من ورائهم من الغلات و الثمار التي هي عمدة قوتهم في سنتهم ، و أما أهل البلد ففي قلق شديد أيضا لما يبلغهم عنهم من الفجور بالنساء ، و يجعلون يدعون عقيب الصلوات عليهم يصرحون بأسمائهم و يعنون بأسماء أمرائهم و أتباعهم و نائب القلعة الامير سيف الدين إباجي في كل وقت يسكن جأش الناس و يقوي عزمهم و يبشرهم بخروج العساكر المنصورة من الديار المصرية صحبة السلطان إلى بلاد غزة حيث الجيش الدمشقي ، ليجيئوا كلهم في خدمته و بين يديه ، و تدق البشائر فيفرح الناس ثم تسكن الاخبار و تبطل الروايات فتقلق و يخرجون في كل يوم و ساعة في تجمل عظيم و وعد و هيآت حسنة ، ثم جاء السلطان أيده الله تعالى و قد ترجل الامراء بين يديه من حين بسط له عند مسجد الدبان إلى داخل القلعة المنصورة ( 2 ) ، و هو لابس قباء أحمر له قيمته على فرس أصيلة مؤدبة معلمة المشي على القوس لا تحيد عنه ، و هو حسن الصورة مقبول الطلعة ، عليه بهاء المملكة و الرياسة ، و الخز فوق رأسه يحمله بعض الامراء الاكابر ، و كلما عاينه من عاينه من الناس يبتهلون بالدعاء بأصوات عالية ، و النساء بالزغرطة ، و فرح الناس فرحا شديدا ، و كان يوما مشهودا ، و أمرا