بدایة والنهایة جلد 14
لطفا منتظر باشید ...
بشقحب و بالكسوة ، ثم جاءت بطاقة بعد العصر من نائب السلطان جمال الدين آقوش الافرم إلى نائب القلعة مضمونها أن الوقعة كانت من العصر يوم السبت إلى الساعة الثانية من يوم الاحد ، و أن السيف كان يعمل في رقاب التتر ليلا و نهارا و أنهم هربوا وفروا و اعتصموا بالجبال و التلال ، و أنه لم يسلم منهم إلا القليل ، فأمسى الناس و قد استقرت خواطرهم و تباشروا لهذا الفتح العظيم و النصر المبارك ، و دقت البشائر بالقلعة من أول النهار المذكور ، و نودي بعد الظهر بإخراج الجفال من القلعة لاجل نزول السلطان بها ، و شرعوا في الخروج .و في يوم الاثنين رابع الشهر رجع الناس من الكسوة إلى دمشق فبشروا الناس بالنصر .و فيه دخل الشيخ تقي الدين بن تيمية البلد و معه أصحابه من الجهاد ، ففرح الناس به ودعوا له و هنأوه بما يسر الله على يديه من الخير ، و ذلك أنه ندبه العسكر الشامي أن يسير إلى السلطان يستحثه على السير إلى دمشق فسار إليه فحثه على المجئ إلى دمشق بعد أن كاد يرجع إلى مصر ، فجاء هو و إياه جميعا فسأله السلطان أن يقف معه في معركة القتال ، فقال له الشيخ : السنة أن يقف الرجل تحت راية قومه ، و نحن من جيش الشام لا نقف إلا معهم ، و حرض السلطان على القتال و بشره بالنصر و جعل يحلف بالله الذي لا إله إلا هو إنكم منصورون عليهم في هذه المرة ، فيقول له الامراء : قل إن شاء الله ، فيقول إن شاء الله تحقيقا لا تعليقا .و أفتى الناس بالفطر مدة قتالهم و أفطر هو أيضا ، و كان يدور على الاجناد و الامراء فيأكل من شيء ء معه في يده ليعلمهم أن افطارهم ليتقووا على القتال أفضل فيأكل الناس ، و كان يتأول في الشاميين قوله صلى الله عليه و سلم " إنكم ملاقوا العدو غدا ، و الفطر أقوى لكم " ( 1 ) فعزم عليهم في الفطر عام الفتح كما في حديث أبي سعيد الخدري .و كان الخليفة أبو الربيع سليمان في صحبة السلطان ، و لما اصطفت العساكر و التحم القتال ثبت السلطان ثباتا عظيما ، و أمر بجواده فقيد حتى لا يهرب ، و بايع الله تعالى في ذلك الموقف ، و جرت خطوب عظيمة ، و قتل جماعة من سادات الامراء يومئذ ، منهم الامير حسام الدين لاجين الرومي أستاذ دار السلطان ، و ثمانية من الامراء المتقدمين معه ( 2 ) ، و صلاح الدين بن الملك السعيد الكامل بن السعيد بن الصالح إسماعيل ، و خلق من كبار الامراء ، ثم نزل النصر على المسلمين قريب العصر يومئذ ، و استظهر المسلمون عليهم و لله الحمد و المنة .فلما جاء الليل لجأ التتر إلى اقتحام التلول و الجبال و الآكام ، فأحاط بهم المسلمون يحرسونهم من الهرب ، و يرمونهم عن قوس واحدة إلى وقت الفجر ، فقتلوا منهم ما لا يعلم عدده إلا الله عز