بدایة والنهایة جلد 14
لطفا منتظر باشید ...
و بيد مر و منجك و استدمر في تحصين القلعة و تحصيل العدد و الاقوات فيها ، و الله غالب على أمره أينما تكونوا يدرككم الموت و لو كنتم في بروج مشيدة الستائر تعمل فوق الابرجة ، وصلى الامير بيد مر صلاة الجمعة تاسع عشر الشهر في الشباك الكمالي ، في مشهد عثمان ، وصلى عند منجك إلى جانبه داخل موضع القضاة ، و ليس هناك أحد من الحجبة و لا النقباء ، و ليس في البلد أحد من المباشرين بالكلية ، و لا من الجند إلا القليل ، وكلهم قد سافروا إلى ناحية السلطان ، و المباشرون إلى ناحية حماة لتلقي الامير علي نائب الشام المحروس ، ثم عاد إلى القلعة و لم يحضر الصلاة استدمر ، لانه قيل كان منقطعا أو قد صلى في القلعة .و في يوم السبت العشرين من الشهر وصل البريد من جهة السلطان من أبناء الرسول إلى نائب دمشق يستعلم طاعته أو مخالفته ، و بعث عليه فيما اعتمده من استحوذ على القلعة و يخطب فيها ، و ادخار الآلات و الاطعمات فيها ، و عدم المجانيق و الستائر عليها ، و كيف تصرف في الاموال السلطانية تصرف الملك و الملوك ، فتنصل ملك الامراء من ذلك ، و ذكر أنه إنما أرصد في القلعة جنادتها و أنه لم يدخلها ، و أن أبوابها مفتوحة ، و هي قلعة السلطان ، و إنما له غريم بينه و بينه الشرع و القضاة الاربعة - يعني بذلك يلبغا - و كتب بالجواب و أرسله صحبة البريدي و هو كتكلدي مملوك بقطبه الدويدار ، و أرسل في صحبته الامير صارم الدين أحد أمراء العشرات من يوم ذلك .و في يوم الاثنين الثاني و العشرين من رمضان تصبح أبواب البلد مغلقة إلى قريب الظهر ، و ليس ثم مفتوح سوى باب النصر و الفرج ، و الناس في حصر شديد و انزعاج ، فإنا لله و إنا إليه راجعون .و لكن قد إقترب وصول السلطان و العساكر المنصورة .و في صبيحة الاربعاء أصبح الحال كما كان و أزيد ، و نزل الامير سيف الدين يلبغا الخاصكي بقبة يلبغا ، و امتد طلبه من سيف داريا إلى القبة المذكورة في أبهة عظيمة ، و هيئة حسنة ، و تأخر الركاب الشريف بتأخره عن الصميين بعد ، و دخل بيد مر في هذا اليوم إلى القلعة و تحصن بها .و في يوم الخميس الخامس و العشرين منه استمرت الابواب كلها مغلقة سوى باب النصر و الفرج ، و ضاق النطاق و انحصر الناس جدا ، و قطع المصريون نهر بانياس و الفرع الداخل إليها و إلى دار السعادة من القنوات ، و احتاجوا لذلك أن يقطعوا القنوات ليسدوا الفرع المذكور ، فانزعج أهل البلد لذلك و ملاء وا ما في بيوتهم من برك المدارس ، و بيعت القربة بدرهم ، و الحق بنصف ، ثم أرسلت القنوات وقت العصر من يومئذ و لله الحمد و المنة ، فانشرح الناس لذلك ، و أصبح الصباح يوم الجمعة و الابواب مغلقة و لم يفتح باب النصر و الفرج إلى بعد طلوع الشمس بزمان ، فأرسل يلبغا من جهته أربعة أمراء و هم الامير زين الدين زبالة الذي كان نائب القلعة ، و الملك صلاح الدين بن كامل ، و الشيخ علي الذي كان نائب الرحبة من جهة بيد مر ، و أمير آخر ، فدخلوا البلد و كسروا أقفال أبواب البلد ، و فتحوا الابواب ، فلما رأى بيد مر ذلك أرسل مفاتيح البلد إليهم انتهى .