بدایة والنهایة جلد 14
لطفا منتظر باشید ...
جنازته حافلة ، و قد بلغ من العمر ثمانيا و أربعين سنة ، و كان بارعا فاضلا في النحو و الفقه و فنون أخر على طريقة والده رحمهما الله ، و كان مدرسا بالصدرية و التدمرية ، و له تصدير بالجامع ، و خطابة بجامع ابن صلحان ، ترك ما لا جزيلا يقارب المائة ألف درهم .انتهى .ثم دخل شهر صفر و أوله الجمعة ، أخبرني بعض علماء السير أنه اجتمع في هذا اليوم - يوم الجمعة مستهل هذا الشهر - الكواكب السبعة سوى المريخ في برج العقرب ، و لم يتفق مثل هذا من سنين متطاولة ، فأما المريخ فإنه كان قد سبق إلى برج القوس فيه و وردت الاخبار بما وقع من الامر الفظيع بمدينه الاسكندرية من الفرنج لعنهم الله ، و ذلك أنهم وصلوا إليها في يوم الاربعاء الثاني و العشرين من شهر الله المحرم ، فلم يجدوا بها نائبا و لا جيشا ، و لا حافظا للبحر و لا ناصرا ، فدخلوها يوم الجمعة ( 1 ) بكرة النهار بعد ما حرقوا أبوابا كثيرة منها ، و عاثوا في أهلها فسادا ، يقتلون الرجال و يأخذون الاموال و يأسرون النساء و الاطفال ، فالحكم لله العلي الكبير المتعال .و أقاموا بها يوم الجمعة و السبت و الاحد و الاثنين و الثلاثاء ، فلما كان صبيحة يوم الاربعاء قدم الشاليش المصري ، فأقلعت الفرنج لعهم الله عنها ، و قد أسروا خلقا كثيرا يقاومون الاربعة آلاف ، و أخذوا من الاموال ذهبا و حريرا و بهارا و غير ذلك ما لا يحد و لا يوصف ، و قدم السلطان و الامير الكبير يلبغا ظهر يومئذ ( 2 ) ، و قد تفارط الحال و تحولت الغنائم كلها إلى الشوائن بالبحر ، فسمع للاسارى من العويل و البكاء و الشكوى و الجأر إلى الله و الاستغاثة به و بالمسلمين ، ما قطع الاكباد ، و ذرفت له العيون و أصم الاسماع ، فإنا لله و إنا إليه راجعون و لما بلغت الاخبار إلى أهل دمشق شق عليهم ذلك جدا ، و ذكر ذلك الخطيب يوم الجمعة على المنبر فتباكى الناس كثيرا ، فإنا لله و إنا إليه راجعون ، و جاء المرسوم الشريف من الديار المصرية إلى نائب السلطنة بمسك النصارى من الشام جملة واحدة ، و أن يأخذ منهم ربع أموالهم لعمارة ما خرب من الاسكندرية ، و لعمارة مراكب تغزو الفرنج ، فأهانوا النصارى و طلبوا من بيوتهم بعنف و خافوا أن يقتلوا ، و لم يفهموا ما يراد بهم ، فهربوا كل مهرب ، و لم تكن هذه الحركة شرعية ، و لا يجوز اعتمادها شرعا ، و قد طلبت يوم