بدایة والنهایة جلد 14
لطفا منتظر باشید ...
السبت السادس عشر من صفر إلى الميدان الاخضر للاجتماع بنائب السلطنة ، و كان اجتماعنا بعد العصر يومئذ بعد الفراغ من لعب الكرة ، فرأيت منه أنسا كثيرا ، و رأيته كامل الرأي و الفهم ، حسن العبارة كريم المجالسة ، فذكرت له أن هذا لا يجوز اعتماده في النصارى ، فقال : إن بعض فقهاء مصر أفتى للامير الكبير بذلك ، فقلت له : هذا مما لا يسوغ شرعا ، و لا يجوز لاحد أن يفتي بهذا ، و متى كانوا باقين على الذمة يؤدون إلينا الجزية ملتزمين بالذلة و الصغار ، و أحكام الملة قائمة ، لا يجوز أن يؤخذ منهم الدرهم الواحد - الفرد - فوق ما يبذلونه من الجزية ، و مثل هذا لا يخفى على الامير فقال : كيف أصنع و قد ورد المرسوم بذلك و لا يمكنني أن أخالفه ؟ و ذكرت له أشياء كثيرة مما ينبغي اعتماده في حق أهل قبرص من الارهاب و وعيد العقاب ، و أنه يجوز ذلك و إن لم يفعل ما يتوعدهم به ، كما قال سليمان بن داود عليهما السلام : " ائتوني بالسكين أشقه نصفين " كما هو الحديث مبسوط في الصحيحين ، فجعل يعجبه هذا جدا ، و ذكر أن هذا كان في قبله وأني كاشفته بهذا ، و أنه كتب به مطالعة إلى الديار المصرية ، و سيأتي جوابها بعد عشرة أيام ، فتجئ حتى تقف على الجواب ، و ظهر منه إحسان و قبول و إكرام زائد رحمه الله .ثم اجتمعت به في دار السعادة في أوائل الشهر ربيع الاول فبشرني أنه قد رسم بعمل الشواني و المراكب لغزو الفرنج و لله الحمد و المنة .ثم في صبيحة يوم الاحد طلب النصارى الذين اجتمعوا في كنيستهم إلى بين يديه و هم قريب من أربعمائة فحلفهم كم أموالهم و ألزمهم بأداء الربع من أموالهم ، فإنا لله و إنا إليه راجعون .و قد أمروا إلى الولاة بإحضار من في معاملتهم ، و و الي البر ( 1 ) قد خرج إلى القرايا بسبب ذلك ، و جردت أمراء إلى النواحي لاستخلاص الاموال من النصارى في القدس و غير ذلك .و في أول شهر ربيع الاول كان سفر قاضي القضاة تقي الدين السبكي الشافعي إلى القاهرة .و في يوم الاربعاء خامس ربيع الاول اجتمعت بنائب السلطنة بدار السعادة و سألته عن جواب المطالعة ، فذكر لي أنه جاء المرسوم الشريف السلطاني بعمل الشواني و المراكب لغزو قبرص ، و قتال الفرنج و لله الحمد و المنة .و أمر نائب السلطنة بتجهيز القطاعين و النشارين من دمشق إلى الغابة التي بالقرب من بيروت ، و أن يشرغ ؟ في عمل الشواني في آخر يوم من هذا الشهر ، و هو يوم الجمعة ، و فتحت دار القرآن التي وقفها الشريف التعاداني إلى جانب حمام الكلس ، شمالي المدرسة البادرائية ، و عمل فيها وظيفة حديث و حضر واقفها يومية قاضي القضاة تاج الدين السبكي انتهى و الله أعلم .