بدایة والنهایة جلد 14
لطفا منتظر باشید ...
و كان من صدور المصريين و أعيان الكبار ، و قد روى شيئا من الحديث ، و صرف الامير جمال الدين آقوش الافرم إلى نيابه صرخد و قدم إلى دمشق الامير زين الدين كتبغا رأس نوبة الجمدارية شد الدواوين ، و أستاذ دار الاستادارية عوضا عن سيف الدين أقجبا ، و تغيرت الدولة و انقلبت قلبة عظيمة .قال الشيخ علم الدين البرزالي : و لما دخل السلطان إلى مصر يوم عيد الفطر لم يكن له دأب إلا طلب الشيخ تقي الدين بن تيمية من الاسكندرية معززا مكرما مبجلا ، فوجه إليه في ثاني يوم من شوال بعد وصوله بيوم أو يومين ، فقدم الشيخ تقي الدين على السلطان في يوم ثامن الشهر و خرج مع الشيخ خلق من الاسكندرية يودعونه ، و اجتمع بالسلطان يوم الجمعة فأكرمه و تلقاه و مشى إليه في مجلس حفل ، فيه قضاة المصريين و الشاميين ، و أصلح بينه و بينهم ، و نزل الشيخ إلى القاهرة و سكن بالقرب من مشهد الحسين ، و الناس يترددون إليه ، و الامراء و الجند و كثير من الفقهاء و القضاة منهم من يعتذر إليه و يتنصل مما وقع منه ، فقال أنا حاللت كل من أذاني .قلت : و قد أخبرني القاضي جمال الدين بن القلانسي بتفاصيل هذا المجلس و ما وقع فيه من تعظيمه و إكرامه مما حصل له من الشكر و المدح من السلطان و الحاضرين من الامراء ، و كذلك أخبرني بذلك قاضي القضاة منصور الدين الحنفي ، و لكن أخبار ابن القلانسي أكثر تفصيلا ، و ذلك أنه كان إذ ذاك قاضي العساكر ، و كلاهما كان حاضرا هذا المجلس ، ذكر لي أن السلطان لما قدم عليه الشيخ تقي الدين بن تيمية نهض قائما للشيخ أول ما رآه ، و مشى له إلى طرف الايوان ( 1 ) و اعتنقا هناك هنيهة ، ثم أخذ معه ساعة إلى طبقة فيها شباك إلى بستان فجلسا ساعة يتحدثان ، ثم جاء و يد الشيخ في يد السلطان ، فجلس السلطان و عن يمينه ابن جماعة قاضي مصر ، و عن يساره ابن الخليلي و الوزير ، و تحته ابن صصرى ، ثم صدر الدين علي الحنفي ، و جلس الشيخ تقي الدين بين يدي السلطان على طرف طراحته ، و تكلم الوزير في إعادة أهل الذمة إلى لبس العمائم البيض بالعلائم ، و أنهم قد التزموا للديوان بسبع مائة ألف في كل سنة ، زيادة على الحالية ، فسكت الناس و كان فيهم قضاة مصر و الشام و كبار العلماء من أهل مصر و الشام من جملتهم ابن الزملكاني .قال ابن القلانسي : و أنا في مجلس السلطان إلى جنب ابن الزملكاني ، فلم يتكلم أحد من العلماء و لا من القضاة ، فقال لهم السلطان : ما تقولون ؟ يستفتيهم في ذلك ، فلم يتكلم أحد ، فجثى الشيخ تقي الدين على ركبتيه و تكلم مع السلطان في ذلك بكلام غليظ ورد على الوزير ما قاله ردا عنيفا ، و جعل يرفع صوته و السلطان يتلافاه و يسكته بترفق و تؤدة و توقير .و بالغ