بدایة والنهایة جلد 14
لطفا منتظر باشید ...
و خرج الركب في نصف شوال و أميرهم حسام الدين الصغير ، الذي كان والي البر ، و قدمت العساكر المصرية إرسالا ، و كان قدوم السلطان و دخوله دمشق ثالث عشرين شوال ، و احتفل الناس لدخوله و نزل القلعة و زينت البلد و ضربت البشائر ، ثم انتقل بعد ليلتئذ إلى القصر وصلى الجمعة بالجامع بالمقصورة و خلع على الخطيب ، و جلس في دار العدل يوم الاثنين ، و قدم وزيره أمين الملك يوم الثلاثاء عشرين الشهر ، و قدم صحبة السلطان الشيخ الامام العالم العلامة تقي الدين أبو العباس أحمد بن تيمية إلى دمشق يوم الاربعاء مستهل ذي القعدة و كانت غيبته عنها سبع سنين ، و معه أخواه و جماعة من أصحابه ، و خرج خلق كثير لتلقيه و سروا بقدومه و عافيته و رؤيته ، و استبشروا به حتى خرج خلق من النساء أيضا لرؤيته ، و قد كان السلطان صحبه معه من مصر فخرج معه بنية الغزاة ، فلما تحقق عدم الغزاة و أن التتر رجعوا إلى بلادهم فارق الجيش من غزة و زار القدس و أقام به أياما ، ثم سافر على عجلون و بلاد السواد و زرع ، و وصل دمشق في أول يوم من ذي القعدة ، فدخلها فوجد السلطان قد توجه إلى الحجاز الشريف في أربعين أميرا من خواصه يوم الخميس ثاني ذي القعدة ، ثم إن الشيخ بعد وصوله إلى دمشق و استقراره بها لم يزل ملازما لاشتغال الناس في سائر العلوم و نشر العلم و تصنيف الكتب و إفتاء الناس بالكلام و الكتابة المطولة و الاجتهاد في الاحكام الشرعية ففي بعض الاحكام يفتي بما أدى إليه اجتهاده من موافقة أئمة المذاهب الاربعة ، و في بعضها يفتي بخلافهم و بخلاف المشهور في مذاهبهم ، و له اختيارات كثيرة مجلدات عديدة أفتى فيها بما أدى إليه اجتهاده ، و استدل على ذلك من الكتاب و السنة و أقوال الصحابة و السلف .فلما سار السلطان إلى الحج فرق العساكر و الجيوش بالشام و ترك أرغون بدمشق .و في يوم الجمعة لبس الشيخ كمال الدين الزملكاني خلعة وكاة بيت المال عوضا عن ابن الشريشي ، و حضر بها الشباك و تكلم وزير السلطان في البلد ، و طلب أموالا كثيرة و صادر و ضرب بالمقارع و أهان جماعة من الرؤساء منهم ابن فضل الله محيي الدين .و فيه عين شهاب الدين بن جهبل لتدريس الصلاحية بالمقدس عوضا عن نجم الدين داود الكردي توفي ، و قد كان مدرسا من نحو ثلاثين سنة .فسافر ابن جهبل إلى القدس بعد عيد الاضحى .و فيها مات ملك القفجاق المسمى طغطاي خان ، و كان له من الملك ثلاث و عشرون سنة ، و كان عمره ثمانيا و ثلاثين سنة ، و كان شهما شجاعا على دين التتر في عبادة الاصنام و الكواكب ، يعظم المجسمة و الحكماء و الاطباء و يكرم المسلمين أكثر من جميع الطوائف ، كان جيشه هائلا لا يجسر أحد على قتاله لكثرة جيشه و قوتهم و عددهم ، و يقال إنه جرد مرة تجريده من كل عشرة من جيشه واحدا فبلغت التجريدة و مائتي ألف و خمسين ألفا ، توفي في رمضان منها و قام في الملك من بعده ابن أخيه أزبك خان ، و كان مسلما فأظهر دين الاسلام ببلاده ، و قتل خلقا من