بدایة والنهایة جلد 14
لطفا منتظر باشید ...
و تردد القضاة و العلماء في تحرير قبلته ، فاستقر الحال في أمرها على ما قاله الشيخ تقي الدين بن تيمية في يوم الاحد الخامس و العشرين منه ، و شرعوا في بنائه بأمر السلطان ، و مساعدته لنائبه في ذلك .و في صفر هذا جاء سيل عظيم بمدينه بعلبك أهلك خلقا كثيرا من الناس ، و خرب دورا و عمائر كثيرة ، و ذلك في يوم الثلاثاء سابع و عشرين صفر .و ملخص ذلك أنه قبل ذلك جاءهم رعد و برق عظيم معهما برد و مطر ، فسالت الاودية ، ثم جاءهم بعده سيل هائل خسف من سور البلد من جهة الشمال شرق مقدار أربعين ذراعا ، مع أن سمك الحائط خمسة أذرع ، و حمل برجا صحيحا و معه من جانبيه مدينتين ، فحمله كما هو حتى مر فحفر في الارض نحو خمسمأة ذراع سعة ثلاثين ذراعا ، و حمل السيل ذلك إلى غربي البلد ، لا يمر على شيء إلا أتلفه ، و دخل المدينة على حين غفلة من أهلها فأتلف ما يزيد على ثلثها ، و دخل الجامع فارتفع فيه على قامة و نصف ، ثم قوي على حائطه الغربي فأخر به و أتلف جميع ما فيه الحواصل و الكتب و المصاحف و أتلف شيئا كثيرا من رباغ الجامع ، و هلك تحت الهدم خلق كثير من الرجال و النساء و الاطفال ، فإنا لله و إنا إليه راجعون .و غرق في الجامع الشيخ علي بن محمد بن الشيخ علي الحريري هو و جماعة معه من الفقراء ، و يقال كان من جملة من هلك في هذه الكائنة من أهل بعلبك مائة و أربعة و أربعون نفسا سوى الغرباء ، و جملة الدور التي خربها و الحوانيت التي أتلفها نحو من ستمأة دار و حانوت ، و جملة البساتين التي جرف أشجارها عشرون بستانا ، و من الطواحين ثمانية سوى الجامع و الامينية و أما الاماكن التي دخلها و أتلف ما فيها و لم تخرب فكثير جدا .و في هذه السنة زاد النيل زيادة عظيمة لم يسمع بمثلها من مدد ، و غرق بلادا كثيرة ، و هلك فيها ناس كثير أيضا ، و غرق منية السيرج فهلك للناس فيها شيء كثير ، فإنا لله و إنا إليه راجعون .و في مستهل ربيع الآخر منها أغار جيش حلب على مدينة آمد فنهبوا و سبوا و عادوا سالمين .و في يوم السبت تاسع و عشرين منه قدم قاضي المالكية إلى الشام من مصر و هو الامام العلامة فخر الدين أبو العباس أحمد بن سلامة بن أحمد بن أحمد بن سلامة الاسكندري المالكي ، على قضأ دمشق عوضا عن قاضي القضاة جمال الدين الزواوي لضعفه و اشتداد مرضه ، فالتقاه القضاة و الاعيان ، و قرئ تقليده بالجامع ثاني يوم وصوله ، و هو مؤرخ بثاني عشر الشهر ، و قدم نائبه الفقية نور الدين السخاوي درس بالجامع في جمادى الاولى ، و حضر عنده الاعيان ، و شكرت فضائله و علومه و نزاهته و صرامته و ديانته ، و بعد ذلك بتسعة أيام توفي الزواوي المعزول ، و قد بأشر القضاء بدمشق ثلاثين سنة .و فيها أفرج عن الامير سيف الدين بهادرآص من سجن الكرك و حمل إلى القاهرة و أكرمه السلطان ، و كان سجنه بها مطاوعة لاشارة نائب الشام بسبب ما كان وقع بينهما بملطية .و خرج المحمل في يوم الخميس تاسع شوال ، و أمير الحج سيف الدين كجكني