بدایة والنهایة جلد 14
لطفا منتظر باشید ...
و كان له أولاد و ثروة عظيمة ، و بلغ الثمانين من العمر ، و كانت له يد جيدة يوم الرحبة ، فإنه صانع عن المسلمين و أتقن القضيه في رجوع ملك التتار عن البلاد الشامية ، سنة ثنتي عشرة كما تقدم ، و كان يناصح الاسلام ، و لكن قد نال منه خلق كثير من الناس و اتهموه على الدين و تكلموا في تفسيره هذا ، و لا شك أنه كان مخبطا مخلطا ، و ليس لديه علم نافع ، و لا عمل صالح .و لما تولى أبو سعيد المملكة عزله و بقي مدة خاملا ثم استدعاه جوبان و قال له : أنت سقيت السلطان خربندا سما ؟ فقال له : أنا كنت في غاية الحقارة و الذلة ، فصرت في أيامه و أيام أبيه في غاية العظمة و العزة ، فكيف أعمد إلى سقيه و الحالة هذه ؟ فأحضرت الاطباء فذكروا صورة مرض خربندا وصفته ، و أن الرشيد أشار بإسهاله لما عنده في باطنه من الحواصل ، فانطلق باطنه نحوا من سبعين مجلسا ، فمات بذلك على وجه أنه أخطأ في الطب .فقال : فأنت إذا قتلته ، فقتله و ولده إبراهيم و احتيط على حواصله و أمواله ، فبلغت شيئا كثيرا ، و قطعت أعضاؤه و حمل كل جزء منها إلى بلدة ، و نودي على رأسه بتبريز هذا رأس اليهودي الذي بدل كلام الله لعنه الله ، ثم أحترقت جثته ، و كان القائم عليه علي شاه .و في هذا الشهر - أعني جمادى الاولى - تولى قضأ المالكية بمصر تقي الدين الاخنائي ( 1 ) عوضا عن زين الدين بن مخلوف توفي عن أربع و ثمانين سنة ( 2 ) ، و له في الحكم ثلاث و ثلاثون سنة .و في يوم الخميس عاشر رجب لبس صلاح الدين يوسف بن الملك الاوحد خلعة الا مرة بمرسوم السلطان ، و في آخر رجب جاء سيل عظيم بظاهر حمص خرب شيئا كثيرا ، و جاء إلى البلد ليدخلها فمنعه الخندق .و في شعبان تكامل بناء الجامع الذي عمره تنكز ظاهر باب النصر ، و أقيمت الجمعة فيه عاشر شعبان ، و خطب فيه الشيخ نجم الدين علي بن داود بن يحيى الحنفي المعروف بالفقجازي ، من مشاهير الفضلاء ذوي الفنون المتعددة ، و حضر نائب السلطنة و القضاة و الاعيان و القراء و المنشدون و كان يوما مشهودا .و في يوم الجمعة التي يليها خطب بجامع القبيبات الذي أنشأه كريم الدين وكيل السلطان ، و حضر فيه القضاة و الاعيان ، و خطب فيه الشيخ شمس الدين محمد بن عبد الواحد بن يوسف بن الرزين الحراني الاسدي الحنبلي ، و هو من الصالحين الكبار ، ذوي الزهادة و العبادة و النسك و التوجه و طيب الصوت و حسن السمت .و في حادي عشر رمضان خرج الشيخ شمس الدين بن النقيب إلى حمص حاكما بها مطلوبا مولى مرغوبا فيه ، و خرج الناس لتوديعه .