مفاتیح الشرائع جلد 17
لطفا منتظر باشید ...
قلنا: فلما أخبر اللَّه عنهم أنهم لايؤمنون كان صدور الإيمان منهم محالا، لأنذلك يستلزم انقلاب خبر اللَّه كذبا و هومحال و المفضى إلى المحال محال.
و أما الوجه الثاني: و هو قولهم يحمل قولهلِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ على أنالمراد لئلا يضلوا عن سبيلك فنقول: إن هذاالتأويل ذكره أبو علي الجبائي في تفسيره. وأقول: إنه لما شرع في تفسيره قوله تعالى: ماأَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِوَ ما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْنَفْسِكَ [النساء: 79] ثم نقل عن بعض أصحابناأنه قرأ فَمِنْ نَفْسِكَ على سبيلالاستفهام بمعنى الإنكار، ثم إنه استبعدهذه القراءة و قال إنها تقتضي تحريفالقرآن و تغييره و تفتح باب تأويلاتالباطنية و بالغ في إنكار تلك القراءة وهذا الوجه الذي ذكره ههنا شر من ذلك، لأنهقلب النفي إثباتا و الإثبات نفيا و تجويزهيفتح باب أن لا يبقى الاعتماد على القرآنلا في نفيه و لا في إثباته و حينئذ يبطلالقرآن بالكلية هذا بعينه هو الجواب عنقوله المراد منه الاستفهام بمعنىالإنكار، فإن تجويزه يوجب تجويز مثله فيسائر المواطن، فلعله تعالى إنما قال:أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَ آتُوا الزَّكاةَ[البقرة: 43] على سبيل الإنكار و التعجب وأما بقية الجوابات فلا يخفى ضعفها.
ثم إنه تعالى حكى عن موسى عليه السلام أنهقال: رَبَّنَا اطْمِسْ عَلىأَمْوالِهِمْ
و ذكرنا معنى الطمس عند قوله تعالى: مِنْقَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً [النساء: 47]و الطمس هو المسخ. قال ابن عباس رضي اللَّهعنهما:
بلغنا أن الدراهم و الدنانير، صارت حجارةمنقوشة كهيئتها صحاحا و أنصافا و أثلاثا،و جعل سكرهم حجارة.
ثم قال: وَ اشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ
و معنى الشد على القلوب الاستيثاق منهاحتى لا يدخلها الإيمان. قال الواحدي:
و هذا دليل على أن اللَّه تعالى يفعل ذلكبمن يشاء، و لو لا ذلك لما حسن من موسى عليهالسلام هذا السؤال.
ثم قال: فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُاالْعَذابَ الْأَلِيمَ
و فيه وجهان: أحدهما: أنه يجوز أن يكونمعطوفا على قوله: لِيُضِلُّوا و التقدير:ربنا ليضلوا عن سبيلك فلا يؤمنوا حتى يرواالعذاب الأليم و قوله: رَبَّنَا اطْمِسْعَلى أَمْوالِهِمْ وَ اشْدُدْ عَلىقُلُوبِهِمْ يكون اعتراضا. و الثاني: يجوزأن يكون جوابا لقوله: وَ اشْدُدْ والتقدير:
اطبع على قلوبهم و قسها حتى لا يؤمنوا،فإنها تستحق ذلك.
ثم قال تعالى: قَدْ أُجِيبَتْدَعْوَتُكُما
و فيه وجهان: الأول: قال ابن عباس رضياللَّه تعالى عنهما: أن موسى كان يدعو وهارون كان يؤمن، فلذلك قال: قَدْأُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما و ذلك لأن من يقولعند دعاء الداعي امين فهو أيضا داع، لأنقوله آمين تأويله استجب فهو سائل كما أنالداعي سائل أيضا. الثاني: لا يبعد أن يكونكل واحد منهما ذكر هذا الدعاء غاية ما فيالباب أن يقال: إنه تعالى حكى هذا الدعاءعن موسى بقوله: وَ قالَ مُوسى رَبَّناإِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَ مَلَأَهُزِينَةً وَ أَمْوالًا إلا أن هذا لا ينافيأن يكون هارون قد ذكر ذلك الدعاء أيضا.
و أما قوله: فَاسْتَقِيما
يعني فاستقيما على الدعوة و الرسالة، والزيادة في إلزام الحجة فقد لبث نوح فيقومه ألف سنة إلا قليلا فلا تستعجلا، قالابن جريج: إن فرعون لبث بعد هذا الدعاءأربعين سنة.
و أما قوله: وَ لا تَتَّبِعانِّ سَبِيلَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ ففيه بحثان:
البحث الأول:
المعنى: لا تتبعان سبيلالجاهلين الذين يظنون أنه متى كان الدعاءمجابا كان المقصود حاصلا في الحال،
فربما أجاب اللَّه تعالى دعاء إنسان فيمطلوبه، إلا أنه إنما يوصله إليه في وقتهالمقدر، و الاستعجال لا