أن الضمير في قوله: مِنْهُعائد إلى الحكيم الخبير،و المعنى: إنني لكم نذير و بشير من جهته.
البحث الثاني:
أن قوله: أَلَّا تَعْبُدُواإِلَّا اللَّهَ مشتمل على المنع عن عبادةغير اللَّه،و على الترغيب في عبادة اللَّه تعالى، فهوعليه الصلاة و السلام نذير على الأولبإلحاق العذاب الشديد لمن لم يأت بها وبشير على الثاني بإلحاق الثواب العظيم لمنأتى بها.و اعلم أنه صلّى الله عليه وسلّم ما بعثإلا لهذين الأمرين، و هو الإنذار على فعلما لا ينبغي، و البشارة على فعل ما ينبغي.[في قوله تعالى وَ أَنِ اسْتَغْفِرُوارَبَّكُمْ إلى قوله وَ يُؤْتِ كُلَّ ذِيفَضْلٍ فَضْلَهُ]
المرتبة الثانية:
من الأمور المذكورة فيهذه الآية قوله: وَ أَنِ اسْتَغْفِرُوارَبَّكُمْ.
و المرتبة الثالثة:
قوله: ثُمَّ تُوبُواإِلَيْهِ و اختلفوا في بيان الفرق بينهاتين المرتبتين على وجوه:
الوجه الأول:
أن معنى قوله: وَ أَنِاسْتَغْفِرُوا اطلبوا من ربكم المغفرةلذنوبكم، ثم بين الشيء الذي يطلب به ذلكو هو التوبة، فقال: ثُمَّ تُوبُواإِلَيْهِ لأن الداعي إلى التوبة و المحرضعليها هو الاستغفار الذي هو عبارة عن طلبالمغفرة و هذا يدل على أنه لا سبيل إلى طلبالمغفرة من عند اللَّه إلا بإظهار التوبة،و الأمر في الحقيقة كذلك، لأن المذنب معرضعن طريق الحق، و المعرض و المتمادي فيالتباعد ما لم يرجع عن ذلك الإعراض لايمكنه التوجه إلى المقصود بالذات،فالمقصود بالذات هو التوجه إلى المطلوبإلا أن ذلك لا يمكن إلا بالإعراض عمايضاده، فثبت أن الاستغفار مطلوب بالذات، وأن التوبة مطلوبة لكونها من متمماتالاستغفار، و ما كان آخرا في الحصول كانأولا في الطلب، فلهذا السبب قدم ذكرالاستغفار على التوبة.
الوجه الثاني:
في فائدة هذا الترتيب أنالمراد: استغفروا من سالف الذنوب ثم توبواإليه في المستأنف.
الوجه الثالث:
و أن استغفروا من الشرك والمعاصي، ثم توبوا من الأعمال الباطلة.
الوجه الرابع:
الاستغفار طلب من اللَّهلإزالة ما لا ينبغي و التوبة سعي منالإنسان في إزالة ما لا ينبغي، فقدمالاستغفار ليدل على أن المرء يجب أن لايطلب الشيء إلا من مولاه فإنه هو الذييقدر على تحصيله، ثم بعد الاستغفار ذكرالتوبة لأنها عمل يأتي به الإنسان و يتوسلبه إلى دفع المكروه و الاستعانة بفضلاللَّه تعالى مقدمة على الاستعانة بسعيالنفس.و اعلم أنه تعالى لما ذكر هذه المراتبالثلاثة ذكر بعدها ما يترتب عليها منالآثار النافعة و النتائج المطلوبة، و منالمعلوم أن المطالب محصورة في نوعين، لأنهإما أن يكون حصولها في الدنيا أو فيالآخرة، أما المنافع الدنيوية: فهي المرادمنقوله: يُمَتِّعْكُمْ مَتاعاً حَسَناًإِلى أَجَلٍ مُسَمًّىو هذا يدل على أن المقبل على عبادة اللَّهو المشتغل بها يبقى في الدنيا منتظم الحالمرفه البال،و في الآية سؤالات:
السؤال الأول:
أ ليس أن النبي صلّى اللهعليه وسلّم قال: «الدنيا سجن المؤمن و جنةالكافر»و قال أيضا: «خص البلاء بالأنبياء ثمالأولياء ثم الأمثل فالأمثل» و قال تعالى:وَ لَوْ لا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةًواحِدَةً لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُبِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاًمِنْ فِضَّةٍ [الزخرف: 33] فهذه النصوص دالةعلى أن نصيب المشتغل بالطاعات في الدنياهو الشدة و البلية. و مقتضى هذه الآية أننصيب المشتغل بالطاعات الراحة في الدنيافكيف الجمع بينهما؟