أن الذي وصفه اللَّه تعالىبأنه على بينة هم المؤمنون و هم أصحابالنبي صلّى الله عليه وسلّم، و المرادبالبينة القرآن وَ يَتْلُوهُ أي و يتلوالكتاب الذي هو الحجة يعني و يعقبه شاهد مناللَّه تعالى، و على هذا القول اختلفوا فيذلك الشاهد فقال بعضهم: إنه محمد عليهالسلام و قال آخرون: بل ذلك الشاهد هو كونالقرآن واقعا على وجه يعرف كل من نظر فيهأنه معجزة و ذلك الوجه هو اشتماله علىالفصاحة التامة و البلاغة الكاملة و كونهبحيث لا يقدر البشر على الإتيان بمثله، وقوله: شاهِدٌ مِنْهُ أي من تلك البينة لأنأحوال القرآن و صفاته من القراآت متعلقةبه. و ثالثها: قال الفراء: وَ يَتْلُوهُشاهِدٌ مِنْهُ يعني الإنجيل يتلو القرآن وإن كان قد أنزل قبله، و المعنى أنه يتلوهفي التصديق، و تقريره: أنه تعالى ذكر محمداصلّى الله عليه وسلّم في الإنجيل، و أمربالإيمان به.و اعلم أن هذين القولين و إن كانا محتملينإلا أن القول الأول أقوى و أتم.و اعلم أنه تعالى وصف كتاب موسى عليهالسلام بكونه إماما و رحمة، و معنى كونهإماما أنه كان مقتدى العالمين، و إمامالهم يرجعون إليه في معرفة الدين والشرائع، و أما كونه رحمة فلأنه يهدي إلىالحق في الدنيا و الدين، و ذلك سبب لحصولالرحمة و الثواب فلما كان سببا للرحمةأطلق اسم الرحمة عليه إطلاقا لاسم المسببعلى السبب.ثم قال تعالى: أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِو المعنى: أن الذين وصفهم اللَّه بأنهم علىبينة من ربهم في صحة هذا الدين يؤمنون.و اعلم أن المطالب على قسمين منها ما يعلمصحتها بالبديهة، و منها ما يحتاج في تحصيلالعلم بها إلى طلب و اجتهاد، و هذا القسمالثاني على قسمين، لأن طريق تحصيل المعارفإما الحجة و البرهان المستنبط بالعقل وإما الاستفادة من الوحي و الإلهام، فهذاالطريقان هما الطريقان اللذان يمكنالرجوع إليهما في تعريف المجهولات، فإذااجتمعا و اعتضد كل و احد منهما بالآخر بلغاالغاية في القوة و الوثوق، ثم إن في أنبياءاللَّه تعالى كثرة، فإذا توافقت كلماتالأنبياء على صحته، و كان البرهان اليقينيقائما على صحته، فهذه المرتبة قد بلغت فيالقوة إلى حيث لا يمكن الزيادة فقوله: أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْرَبِّهِ المراد بالبينة الدلائل العقليةاليقينية، و قوله: وَ يَتْلُوهُ شاهِدٌمِنْهُ إشارة إلى الوحي الذي حصل لمحمدعليه السلام، و قوله: وَ مِنْ قَبْلِهِكِتابُ مُوسى إِماماً وَ رَحْمَةً إشارةإلى الوحي الذي حصل لموسى عليه السلام، وعند اجتماع هذه الثلاثة قد بلغ هذا اليقينفي القوة و الظهور و الجلاء إلى حيث لايمكن الزيادة عليه.ثم قال تعالى: وَ مَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَالْأَحْزابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ والمراد من الأحزاب أصناف الكفار، فيدخلفيهم اليهود و النصارى و المجوس. روى سعيدبن جبير عن أبي موسى أن النبي صلّى اللهعليه وسلّم قال: «لا يسمع بي يهودي و لانصراني فلا يؤمن بي إلا كان من أهل النار»قال أبو موسى: فقلت في نفسي إن النبي صلّىالله عليه وسلّم لا يقول مثل هذا