الحجة السابعة:
أنه تعالى قادر على إيصالالنعم إلى عبيده على وجهين:أحدهما: أن تكون النعم مشوبة بالآفات والأحزان. و الثاني: أن تكون خالصة عنها،فلما أنعم اللّه تعالى في الدنيا بالمرتبةالأولى وجب أن ينعم علينا بالمرتبةالثانية في دار أخرى، إظهارا لكمال القدرةو الرحمة و الحكمة، فهناك ينعم علىالمطيعين و يعفو عن المذنبين، و يزيلالغموم و الهموم و الشهوات و الشبهات والذي يقوي ذلك، و يقرر هذا الكلام أنالإنسان حين كان جنينا في بطن أمه، كان فيأضيق المواضع و أشدها عفونة و فسادا، ثمإذا خرج من بطن أمه كانت الحالة الثانيةأطيب و أشرف من الحالة الأولى، ثم إنه عندذلك يوضع في المهد و يشد شدا وثيقا، ثم بعدحين يخرج من المهد و يعدو يمينا و شمالا، وينتقل من تناول اللبن إلى تناول الأطعمةالطيبة، و هذه الحالة الثالثة لا شك أنهاأطيب من الحالة الثانية، ثم إنه بعد حينيصير أميرا نافذ الحكم على الخلق، أوعالما مشرفا على حقائق الأشياء، و لا شك أنهذه الحالة الرابعة أطيب و أشرف من الحالةالثالثة. و إذا ثبت هذا وجب بحكم هذاالاستقراء أن يقال: الحالة الحاصلة بعدالموت تكون أشرف و أعلى و أبهج من اللذاتالجسدانية و الخيرات الجسمانية.الحجة الثامنة:
طريقة الاحتياط،فإنا إذا آمنا بالمعاد و تأهبنا له، فإنكان هذا المذهب حقا، فقد نجونا و هلكالمنكر، و إن كان باطلا، لم يضرنا هذاالاعتقاد. غاية ما في الباب أن يقال إنهتفوتنا هذه اللذات الجسمانية إلا أنا نقوليجب على العاقل أن لا يبالي بفوتهالأمرينأحدهما: أنها في غاية الخساسةلأنها مشترك فيها بين الخنافس و الديدان والكلاب. و الثاني: أنها منقطعة سريعةالزوال فثبت أن الاحتياط ليس إلا فيالإيمان بالمعاد، و لهذا قال الشاعر:
قال المنجم و الطبيب كلاهما
إن صح لكما فلست بخاسر
أو صح قوليفالخسار عليكما
لا تحشرالأموات قلت إليكما
أو صح قوليفالخسار عليكما
أو صح قوليفالخسار عليكما