في الاستدلال بصفاتالأفلاك على وجود الإله القادر أن نقول:حركات هذه الأفلاك لها بداية،و متى كان الأمر كذلك افتقرت هذه الأفلاكفي حركاتها إلى محرك و مدبر قاهر.
أما المقام الأول:
فالدليل على صحته أنالحركة عبارة عن التغير من حال إلى حال، وهذه الماهية تقتضي المسبوقية بالحالةالمنتقل عنها، و الأزل ينافي المسبوقيةبالغير، فكان الجمع بين الحركة و بينالأزل محالا، فثبت أن لحركات الأفلاكأولا، و إذا ثبت هذا وجب أن يقال: هذهالأجرام الفلكية كانت معدومة في الأزل وإن كانت موجودة، لكنها كانت واقفة و ساكنةو ما كانت متحركة، و على التقديرين:فلحركاتها أول و بداية.
و أما المقام الثاني:
و هو أنه لما كانالأمر كذلك وجب افتقارها إلى مدبر قاهر،فالدليل عليه أن ابتداء هذه الأجرامبالحركة في ذلك الوقت المعين دون ما قبله ودون ما بعده، لا بد و أن يكون لتخصيص مخصص،و ترجيح مرجح و ذلك المرجح يمتنع أن يكونموجبا بالذات، و إلا لحصلت تلك الحركة قبلذلك الوقت لأجل أن موجب تلك الحركة كانحاصلا قبل ذلك الوقت، و لما بطل هذا، ثبتأن ذلك المرجح قادر مختار و هو المطلوب.
الوجه الثالث:
في الاستدلال بصفاتالأفلاك على وجود الإله المختار،و هو أن أجزاء الفلك حاصلة فيه لا في الفلكالآخر، و أجزاء الفلك الآخر حاصلة فيه لافي الفلك الأول فاختصاص كل واحد منها بتلكالأجزاء أمر ممكن، و لا بد له من مرجح، ويعود التقرير الأول فيه. فهذا تقرير هذاالدليل الذي ذكره اللّه تعالى في هذهالآية،و في الآية سؤالات:
السؤال الأول:
أن كلمة (الذي) كلمة وضعتللإشارة إلى شيء مفرد عند محاولة تعريفهبقضية معلومة،كما إذا قيل لك من زيد؟ فتقول: الذي أبوهمنطلق، فهذا التعريف إنما يحسن لو كان كونأبيه منطلقا، أمرا معلوما عند السامع،فهنا لما قال: إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُالَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَفِي سِتَّةِ أَيَّامٍ فهذا إنما يحسن لوكان كونه سبحانه و تعالى خالقا للسموات والأرض في ستة أيام، أمرا معلوما عندالسامع، و العرب ما كانوا عالمين بذلك،فكيف يحسن هذا التعريف؟و جوابه أن يقال: هذا الكلام مشهور عنداليهود و النصارى، لأنه مذكور في أول مايزعمون أنه هو التوراة و لما كان ذلكمشهورا عندهم و العرب كانوا يخالطونهم،فالظاهر أنهم أيضا سمعوه منهم، فلهذاالسبب حسن هذا التعريف.
السؤال الثاني:
ما الفائدة في بيان الأيامالتي خلقها اللّه فيها؟و الجواب: أنه تعالى قادر على خلق جميعالعالم في أقل من لمح البصر و الدليل عليهأن العالم مركب من الأجزاء التي لا تتجزى،و الجزء الذي لا يتجزى لا يمكن إيجاده إلادفعة، لأنا لو فرضنا أن إيجاده إنما يحصلفي زمان، فذلك الزمان منقسم لا محالة منآنات متعاقبة، فهل حصل شيء من ذلكالإيجاد في الآن الأول أو لم يحصل، فإن لميحصل منه شيء في الآن الأول فهو خارج عنمدة الإيجاد، و إن حصل في ذلك